تحديث المناهج العلمية والدراسية وإيلاء الاهتمام للتربية قبل التعليم.. التركيز على استحداث الوسائل التربوية في عملية بناء المعلم وتأهيله

لا تزال الدعوات تترى وتتوالى مطالبة بتطوير وتحديث المناهج العلمية والدراسية السائدة في بلادنا العربية والإسلامية وآخرها تلك الصادرة من أعلى هيئة رسمية إسلامية ألا وهي منظمة المؤتمر الإسلامي التي دعت إلى مواكبة مناهجنا مع متغيرات الحياة وتطوراتها المذهلة المتسارعة ومثلها هناك من دعا إلى التغيير والتحديث من منطلق فكري ديني هدفه تشذيب هذه المناهج من شوائب أفكار التطرف والعنف الديني أو ما يؤدي إليهما.

وهناك من الدعوات التي نادت بسرعة الشروع بالتطوير المنهجي التعليمي لضرورات اقتصادية بحتة تهدف إلى سد احتياجات السوق ومستلزمات الإنتاج الوطني من خلال توفير الكفاءات والكوادر الوطنية المؤهلة لذلك وغيرها من المنطلقات والأسباب التي ساقها أصحاب تلك الدعوات المطالبة بالتجديد العلمي والمعرفي الدراسي.

هل من تطوير للمعلم؟ 
لكن وعلى الرغم من تعدد تلك المبررات واختلاف أوجهها إلا أنها تجمع على أهمية التغيير في المحتوى والمنهج نفسه ولا تتطرق إلى أي لحاظ آخر مرتبط بالتعليم وكأن الأمر لا دخل له البتة بالتعليم أو بالمستوى التعليمي.

وأهم هذه اللحظات الأخرى في نظري التي لم يتم التطرق إليها إلا لماما وبشكل مقتضب هو القيَم والمشرف على تطبيق هذا المنهج التعليمي وأقصد بذلك (المعلم).

فالحديث عن هذا الموضوع وبشكل مركز وتفصيلي لا يقل أهمية إن لم يزد عن ضرورة تطوير المناهج.

فالمعلم المؤهل والكفء من الناحيتين العلمية والثقافية والنفسية هو القادر وحده على تحقيق الأهداف والغايات التعليمية من خلال تطبيقه والتزامه السليم والواعي للمنهج الموضوع له.

بل عنده القدرة والإمكانية على تكميل تلك النواقص وسد الثغرات التي قد تتعلق بالمواد التعليمية والدراسية عبر ثقافته وسعة مداركه العلمية على عكس المعلم الفاقد تلك الأهلية الذي قد يزيد الأمر سوءاً ويضاعف من تلك السلبيات والثغرات وبالتالي يكون وبالاً على العملية التعليمية برمتها.

هذا من جهة ومن جهة أخرى نعرف جميعنا وهذا ما تؤكد عليه السياسة العامة للدولة من خلال وزارة التربية الوطنية بأن المدرسة قبل أن تكون مكاناً للتحصيل العلمي والمعرفي هي محطة تربوية وتوجيهية تكمل مسيرة الوالدين في تربية الطفل وتنشئته على الأسس والمرتكزات الدينية والأسس الصحيحة وكذلك توجيهه في مرحلة البلوغ والمراهقة وأخيراً في المرحلة الجامعية فترة رشده ونضوجه واكتماله الفكري والعقلي.

وهذا يعني أن الأهداف التربوية والسلوكية مقدمة على أختها التعليمية.
ومن أهم الأساليب التربوية وأكثرها تأثيراً وتحقيقها النتائج المرجوة توفير النموذج والقدوة المفترض وجودها في شخصية (المعلم) أمام ناظري التلميذ فالقيم الخيرة والفضائل الأخلاقية التي يتم إلقاؤها على مسامع الطالب يومياً من أفواه معلميه المتعددين لن تجد أذنا صاغية وعقلاً واعيا وهاضماً لها مالم يجد امتثال هذه الأخلاقيات في شخص معلمه أولاً.

فهو لن يرى جدوى الصدق في الحديث مثلاً أو الانضباط في الحضور اليومي أو الالتزام الدقيق بمواعيد الحصص المدرسية إلى آخره من المثاليات الأخلاقية الأخرى إذا وجد المعلم مخالفاً لها قبل الطلاب.

وأستطيع الجزم قائلاً إن العديد من مدارسنا اليوم ينقصها الكثير من هذه النماذج القدوات التي تتعاطى مع الشأن التعليمي ومن ثم في طريقة التعامل مع التلميذ من منطلق الشعور بالمسؤولية الأبوية تجاهه في رعايته وتوجيهه لا من منطلق الإحساس بالاكتفاء بالمسؤولية الوظيفية البحتة المنحصرة في مجرد إيصال المعلومة أيا كان نوعها إلى ذهن الطالب من دون الاهتمام بالعوامل التربوية الأخرى.

التعليم الجامعي تطوير لابد منه.. 
لذلك أعتقد قبل الحديث عن ضرورة تطوير المناهج الدراسية للمراحل التعليمية الثلاث الأولى أو في موازاة ذلك على الأقل لابد من التأكيد والتركيز على أهمية تأهيل المعلم وتهيئته جيداً من جميع النواحي خصوصاً النفسية منها ومن بعدها العلمية التخصصية منها أو العامة، مما يستدعي مراجعة مناهج التعليم الجامعي نفسها وكليات المعلمين التي تقوم بدور تربية وإعداد الكوادر التربوية التعليمية من أجل تحديثها وتطويرها هي الأخرى، والتركيز على استحداث الوسائل التربوية في عملية بناء المعلم وتأهيله.

أين الدور الرقابي؟ 
ومن المهم جداً وقبل أن أختم حديثي بالتذكير بضرورة الإشراف والرقابة المستمرين من قبل الوزارة وإدارات التعليم الفرعية وعبر المشرفين والموجهين وعبر تفعيل الإدارات المدرسية في هذا الصدد على عدم تجاوز المعلم المنهج الدراسي المقرر للطالب والالتزام الدقيق لما هو موضوع له وذلك لما نسمعه بين الفينة والأخرى عن خروج بعض المعلمين عن حدود المنهج الدراسي وخوضه في مواضيع بعيدة عنه.

وأخص بالذكر المناهج الدينية لأهميتها وخطورة الخوض فيها من قبل غير العلماء وأهل الاختصاص فيها من ناحية، ولحساسية الظرف الذي نعيشه واحتمال استغلال البعض من أتباع الفكر المنحرف المتطرف المتغلغلين في صفوف هذه المهنة الشريفة للترويج والتبشير بآرائهم وأفكارهم المتطرفة بين أبنائنا الطلبة من ناحية أخرى.
بقلم حسن عبد الهادي بوخمسين 
أحدث أقدم

نموذج الاتصال