بمناسبة الذكرى المئويـة علـى وضـع أول دستور مغربـي؛ نظـم المعهد الجامعي للبحث العلمـي بتعاون مـع الجمعيـة المغربيـة للبحث التاريخـي والجمعيـة المغربيـة للدراسات والأبحـاث الدوليـة وشعبـة القانـون العام بكلية العلوم القانونيـة والاقتصاديـة والاجتماعيـة أكدال ندوة دوليـة في موضـوع "الدستور والدستورانيـة بالمغرب 1908-2008".
أبرزت أمينـة عوشـر مديرة المعهد الجامعي علـى تسليـط الضـوء على المسار التطوري الذي عرفتـه الإصلاحات الدستـوريـة، وأكـدت أن المؤسسـات الأكاديمية يمكـن أن تشكـل دليـلا لواقعيـة المطالب الدستوريـة في المغرب، مطالب مبنيـة علـى أسس موضوعيـة. واعتبـرت أن الاحتفال بمرور مائة سنـة على وضـع أول دستـور مغربـي إنمـا يؤصـل لوعي سياسي كان قائمـا ولا يزال في أفق إصلاحات دستوريـة مواكبة للتطورات التـي يشهدها المغرب في كافة المجالات، منهـا قضيـة المرأة والحكـم الذاتـي وغيـرها.
واعتبر ميلود الوكيلي رئيس جمعية القانون العام أن الندوة تشكل مدخلا لاستشراف دستور مغربي يرضي ويواكـب مختلف التحديات والمستجدات ويحمي الحقوق المدنيـة والسياسية للمواطنين.
الحـس الدستـوري عند الحركة الوطنية يترجم فـي كتابات الزعيـم عـلال الفاسـي:
أكد جامع البيضا رئيس كلمـة الجمعية المغربيـة للبحث التاريخي أن الدلالة السياسية والمؤسساتيـة لتنظيـم هذه الندوة مساوقـة لمرور مائة سنة على وضع أول دستـور مغربـي، مناسبـة تدعـو إلى الإبقـاء علـى الإصلاحات الدستوريـة مفتوحـة لتضميـن تعديلات تفرضها التحولات التي يعرفهـا المشهد السياسي والثقافي المغربي.
 ولم تفت مداخل جامع البيضـا التركيـز على الحس الدستـوري لدى الحركـة الوطنيـة وهـو ما يمكـن الاهتداء إليه في كتابات علال الفاسي خاصة في كتابه الحركات الاستقلالية، واستعرض عـددا مـن المشاريع ومقترحـات الدستـور المغربـي كمشـروع دستـور زنيبر السلاوي، غيـر أن هـذا الوعي لم يستمـر ملحـا بعـد شيوع مقولـة "الخيـر في ما اختاره مولانا السلطـان".
سلطت مداخلـة سعيد الخمري من الكلية المتعددة التخصصات بأسفـي حول المطالب الدستورية ضمن المشروع الإصلاحي لمغرب نهاية القرن التاسع عشـر الضوء على المطالب الإصلاحية للمغرب في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، وذلك في سياق المشروع الإصلاحي العام الذي طرح على المغرب في هذه الفترة، واستعـرض المطالب الدستـورية انطلاقا مـن الفكر الغربي والفكـر الإسلامي، موضحا أسباب فشـل أول تجـربة للإرهاصات الدستورية الأولى في المغـرب في مجال وضع دستـور وطنـي باعتباره أول تعاقـد بالمعنى الحديث بين الشعـب والجهاز الحاكـم.
لصعوبة الجهر بالمطالب الدستورية، حولها المغاربة إلى لازمة للأناشيد الصوفيـة: "الدستور يا الله" "الدستور يا حبيب الله"، "الدستور يا رسول الله":
أبرزت مداخلة لطيفة الكندوز في موضوع ظروف نشأة الحركة الدستورية بالعالم الإسلامي سنـة 1908 معالـم الوعي الدستـوري بالعالـم الإسلامـي لأول مرة في تجـربة الداي حسيـن في تونس سنـة 1905 ثـم دستور 1908 في المغـرب والبيعة الحفيظيـة التي قالـت عنهـا أنها كانـت تجـربة مهمـة ومتقـدمة بالنظـر إلى الوضـع السياسي والثقافـي في تلك المرحلـة، واستعرضت الباحثة الظروف التاريخية والاجتماعية والداخليـة التي أفرزت وعيا سياسـيا في أواخـر القـرن التاسـع عشـر وبدايـة القـرن 20، مؤكـدة بأن النخبـة المغربيـة المطالبة بإصلاحات دستـورية ولقلـة وانعدام الجرائـد آنذاك اعتمـدت المناسبـات الاحتفالية للترويـج لفكـرة الدستور وهـو ما ترتب عنـه دخـول لازمات في أناشيـد الصوفيـة في الأعياد والمناسبات والولائـم تقـول: الدستور يا الله الدستـور يا حبيب اللـه، الدستور يا رسـول الله.
اشترط دستـور 1908 في ممثلي الأمـة التمكن مـن عمليات الحساب الأربـع وحفـظ متن الشيخ الخليل:
وأشار عبد العالي حامي الدين من كلية العلوم القانـونية والاقتصاديـة والاجتماعيـة بطنجـة في مداخلته حول الظروف السياسيـة لدستور 1908 وآليات تقييد السلطـة، إلـى أن المرحلة الممتدة مـن 1904 إلى 1908 تميـزت بوعـي سياسي كبيـر ومتقـدم وبنزوع تنظيمي أكثـر وضوح نحـو وضـع دستـور يؤطـر عمـل السلطـة بمقترحات دستوريـة متأثـرة بانفتاح على الوضع الخارجي وإرادة الهيمنـة التـي كان الأوربيـون يحاولون بسطها على المغرب، فتـم خلق مجلس الأعيان سنـة 1905 والبيعة المشروطة للسلطان والتي سميت بالبيعة الحفيظيـة محمولة بالتزامات دستوريـة هامـة، وهـي الخطـوة التي قرئت مـن قبل علمـاء فاس بأنها تمثل إحياء لمبـدأ الشورى. واعتبـر أن تشكيـل مجلس الأعيـان يعد صفحـة هامـة من صفحات تطور الآليات التنظيميـة وتفعيل مبـدأ الشورى وإفسـاح المجال أمام النخبـة المغربيـة للاجتهاد الدستوري والقانـوني آنذاك متأسفـا لعدم استمـرارها.
وأشـار المتدخـل أن دستـور 1908 تميـز بنقـط جد متقدمـة تراجعـت عنهـا الدساتيـر المغربيـة فيما بعـد ومنهـا: أن لا حق للسلطـان في التوقيـع على الاتفاقيات الدوليـة دون العودة أولا إلى مجلس الأمـة، ولكونه يشترط في ممثلي الأمة التمكن من عمليات الحساب الأربعة (الجمع، الطرح، الضرب، القسمة) وحفـظ متن الشيخ الخليل.
جريـدة العلـم رفعت في الأربعينيات شعار "جلاء المستعمـر أولا فالدستور ثانيـا":
ذهبت مداخلـة محمد معروف الدفالي كلية عين الشق الدار البيضاء حول موضوع الدستور والاستقلال قراءة في الخطاب السياسي الوطني لمحمد بلحسن الوزاني إلى التأكيـد بأن فكـر هـذا الأخيـر تميـز في أوساط قيادة الحركة الوطنيـة في فترة الحمايـة بنزعته الديموقراطيـة حيـث ربـط بين استعادة الاستقلال وبناء دولة تستند إلى الحريـة والقانـون. ولذلك اختلـف وحزب الاستقـلال الذي لم يكـن يؤيـد وضـع دستـور تحت الحمايـة، فيما ظـل بلحسن الوزاني ينادي بالدستور أولا فالاستقلال ثانيـا، معتبـرا أن الحماية منتهيـة أجلا أو عاجـلا. ومؤكـدا بأن بلحسن الوزانـي دشـن في جريدة الغمـرات التي كان يديرها، والتي أسميـت فيما بعد بجريدة الرأي العام حملـة سنـة 1947 ضـد حزب الاستقـلال وعلال الفاسي تحت شعار الاستقلال هدفنا وسبيلنا إليـه الدستور، ولم يكـن ذلك أن يمـر دون أن تبرره جريـدة العلـم حيـث رفعت شعار "جلاء المستعمـر أولا فالدستور ثانيـا".
دعوة بلحسـن الوزاني إلى وضع دستور تحت الاحتـلال كانت شبيهة بوضع الدستـور العراقي والأفغاني الحالي:
خيمت هـذه النقطـة علـى أشغال الندوة حيـث أكـد محمد البحبوحي أستاذ القانـون بكليـة الحقوق بالرباط أن دعـوة بلحسـن الوزاني إلى دستور تحت الاحتـلال شبيهة بوضع الدستور العراقي والأفغاني الذي أملاه الاحتـلال الأمريكـي في الوقت الراهـن، دستـور ضـد الإجماع الوطنـي، وفي مقابـل ذلك وصـف رؤيـة عـلال الفاسـي بالعميـقة للمستقبـل، مضيفا أن تجربـة مصـر في وضـع دستور 1930 مستوحاة مـن الدستـور البريطاني رفـض بعد وصول جمال عبد الناصـر إلى الحكـم، وانتصـر الأستاذ البحبوحي لتصـور حزب الاستقلال الذي نادى بجلاء الاحتلال أولا؛ ووضـع دستـور مستقـل ثانيـا. مذكـرا بأن فرنسـا أرادت المساهمة في وضع دستور مغربي تحت إشرافها، وهو ما شرعت في تنفيذه بتسطير مسودة مشـروع دستـور بالموازاة مـع تنصيـب بن عرفة ملكا على المغرب.
تعديل 1970 شهد تراجعا في الحريات العامة، وتمركز السلط في يد الملك:
  فـي مداخلـة الدستور في المغرب المستقل قراءة تاريخيـة للأستـاذ الموساوي العجلاوي (معهد الدراسات الإفريقية) رسم فيها الإطار التاريخي والسياسي لقضية الدستور في تاريخ المغرب الراهن كأفكار ومنظومـة القوانيـن تعكس التحولات السياسيـة التي عرفها المغرب خـلال خمسين سنـة في ظرفيات تاريخيـة وسياسيـة أنتجت دستور 1962 والتعديلات الأربع في 1970-1972-1992-1996، واعتبـر أن سيرورة التطـور الدستوري بالمغرب وليدة تطور المفاهيم والمؤسسـات وعلاقاتها بالبناء الديموقراطي وتأسيس الدولة الحديثة في زمـن الاستقلال مـن خـلال السياقات التاريخيـة والسياسيـة التـي عرفها المغرب.
واعتبـرت المداخلـة بأنه وإذا كان دستور 1962 قد ترجم المطالب الدستورية الملحة بعيد الاستقلال من لدن الملك محمد الخامس والحركة الوطنيـة، فإن مطالب المعارضـة فيما بعد جعلت الصراع يحتدم فكانت تداعيات ذلك تعديل 1970 الذي شهد تراجعا في الحريات العامة، وتركـز السلط في يـد الملك، إلـى أن تم تعديل 1992 الذي أخـذ بعيـن الاعتبـار المطالب الواردة في المذكرة المشتركـة التي قدمها حزب الاستقلال والاتحاد الاشتـراكي إلى الملك.
اليهود المغاربة مواطنون كاملي المواطنـة:
أوضـحت مداخلـة محمد حتمي -كلية فاس سايس- حول "النخب اليهودية بالمغرب ومسألة الحقوق المدنيـة" أن السلطـان محمد الرابـع أصدر ظهيـرا في سنـة 1846 يحث نوابـه في الأقاليم على معاملة الرعايا اليهـود وفق ما يقـره الشرع والعادة، وبعد تسعـة قرون أعلن محمد بن يوسف سنـة 1988 أن اليهود المغاربة مواطنون كاملي المواطنـة لهم نفس الحقوق وعليهم نفس الواجبـات التي يتمتع بهـا مواطنوهم المسلمـون، كما سعت النخبـة اليهوديـة إلى وضـع قانـون لليهود المغاربة انطلاقا مـن طرح يرى أن اليهود المغاربة كاملي المواطنـة لهم نفس الحقوق وعليهم نفس الواجبات التي يتمتع بها مواطنون مسلمون.
كان الجهاز الحاكم يصـف المطالبيـن بالإصلاحات دستورية بمثيري الفتن:
أعادت مداخلـة جلال نور الدين -كليـة متعددة الاختصاصات بتازة- حول "الموروث السياسي والظاهـرة الدستوريـة في النسق المغربي اختلالات التأسيس" الإصلاحات الدستوريـة إلى عهد الخلافة الراشيديـة معتبـرا أنها بالرغم من تصاعد المنادين بها لم يكـن لها صدى لأنها ارتبطت بسياق سياسي مطبوع بهاجس استتباب الأمن، جعـل الجهاز الحاكم يصـف المطالبيـن بالاصلاحات الدستورية بمثيري الفتن. وأكـد أن عمل الفقه السياسي تاريخيـا لـم يشتغـل وفـق المنظور الإصلاحي الدستوري، فاقتصـر عمله على إضفاء الصبغة الشرعيـة على نظام الحكم كيفما كانت صفته، والاكتفاء بدور الوعظ.
الربـاط: عبـد الفتـاح الفاتحـي
التسميات
مغرب