نظام الكفالة المطبَّق على العمال الوافدين إلى دول الخليج:
نظام الكفالة، المعروف أيضًا باسم نظام "الكفيل"، هو إطار قانوني وتنظيمي يُطبَّق في دول مجلس التعاون الخليجي (البحرين، الكويت، عمان، قطر، المملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة)، بالإضافة إلى دول أخرى مثل الأردن ولبنان. ينظِّم هذا النظام العلاقة بين العمال المهاجرين وأصحاب العمل، وقد أثار جدلاً واسعًا بسبب القيود التي يفرضها على العمال الوافدين.
نشأة نظام الكفالة وتطوُّره:
الجذور التاريخية:
نشأ نظام الكفالة الحديث في دول الخليج في أوائل القرن العشرين، قبل اكتشاف النفط، لتنظيم معاملة العمال الأجانب الذين كانوا يعملون في مهن تجارية وحرفية مثل صناعة اللؤلؤ.
الأساس القانوني:
يعود مفهوم "الكفالة" إلى الفقه الإسلامي بشأن الوصاية والضمان، ولكن النظام الحديث في الخليج يُحوِّل الكفيل (صاحب العمل أو المؤسسة) إلى المسؤول القانوني عن العامل الوافد في كل ما يتعلَّق بدخوله وإقامته وعمله في البلاد. وقد فُوِّضت للكفيل سلطة كبيرة تتجاوز العلاقة التعاقدية البحتة.
الآليات والقيود الأساسية لنظام الكفالة:
يقوم نظام الكفالة على مبدأ ربط الوضع القانوني والإقامة للعامل الوافد بالكفيل. وتتمثَّل أبرز آلياته وقيوده فيما يلي:
- تأشيرة الدخول والإقامة: لا يمكن للعامل الوافد دخول البلاد أو الحصول على تصريح إقامة (إقامة) إلا بموجب تأشيرة عمل يرسلها ويُؤمِّنها له الكفيل.
- حصرية العمل: يُمنَع العامل من العمل إلا لدى الكفيل الذي كفله. وفي النظام التقليدي، كان ممنوعًا عليه تغيير عمله أو الاستقالة دون إذن كتابي صريح ومسبق من الكفيل.
- السفر والمغادرة: في كثير من الأحيان، لا يجوز للعامل مغادرة البلاد (حتى في إجازة) أو الحصول على تأشيرة خروج نهائي للعودة لبلده إلا بموافقة الكفيل.
- حجز الوثائق: في بعض الحالات والممارسات، يقوم الكفيل بـحجز جواز سفر العامل، على الرغم من أن هذا الإجراء يُعتبر غير قانوني في العديد من دول الخليج في ظل الإصلاحات الأخيرة.
- التبعية القانونية: الكفيل هو المسؤول أمام الجهات الحكومية عن المكفول، ما يجعل العديد من المعاملات الحكومية للوافد تتطلب موافقة أو وساطة الكفيل (مثل فتح حساب بنكي أو الحصول على رخصة قيادة في بعض الحالات).
التحديات والانتقادات (الجانب السلبي):
تعرَّض نظام الكفالة لانتقادات دولية ومحلية واسعة النطاق، حيث وصفته منظمات حقوق الإنسان بأنه شكل من أشكال "العبودية الحديثة" أو "الاستغلال"، لعدة أسباب:
- الاستغلال وسوء المعاملة: يمنح النظام الكفيل سلطة شبه مطلقة على حياة العامل، مما يفتح الباب أمام حالات عدم دفع الأجور، وساعات العمل الطويلة، وظروف العمل السيئة.
- التقييد على الحركة: تقييد قدرة العامل على تغيير عمله أو مغادرة البلاد يجعله عرضة للابتزاز ويقلِّل من قدرته على الإبلاغ عن الانتهاكات أو الهروب من صاحب عمل مسيء.
- "الهجرة غير الشرعية" القسرية: قد يصبح العامل بلا وثائق (مخالفاً لنظام الإقامة) إذا هرب من سوء المعاملة أو إذا رفض الكفيل تجديد إقامته أو دفع ثمن تذكرة عودته، مما يعرِّضه للملاحقة القانونية.
- التمييز: يضع النظام العمال الوافدين في وضع قانوني أدنى مقارنة بالمواطنين، مما يحدّ من حقوقهم النقابية والمهنية.
جهود الإصلاح والتعديل في دول الخليج:
نتيجة للضغوط الدولية والرغبة في تطوير أسواق العمل، قامت العديد من دول الخليج بتنفيذ إصلاحات جوهرية على نظام الكفالة، تهدف إلى تخفيف القيود واستبدال النظام التقليدي بعقود عمل منظَّمة:
المملكة العربية السعودية (ضمن رؤية 2030):
أعلنت عن مبادرات تهدف إلى تخفيف نظام الكفالة. تشمل التعديلات:
- إلغاء شرط موافقة الكفيل على تأشيرات الخروج أو الخروج والعودة (بعد نهاية العقد أو فترة إشعار).
- إتاحة إمكانية تغيير صاحب العمل دون موافقة الكفيل في حالات محددة، مثل انتهاء العقد أو عدم التزام صاحب العمل بواجباته.
قطر:
أعلنت عن إلغاء نظام الكفالة واستبداله بـنظام عقود العمل. أبرز الإصلاحات شملت:
- إلغاء شرط موافقة الكفيل على تغيير الوظيفة.
- إلغاء شرط موافقة الكفيل على تأشيرة الخروج لجميع فئات العمال باستثناء نسبة محدودة لأسباب أمنية محددة.
- إقرار حد أدنى للأجور.
البحرين:
كانت من أوائل الدول التي بادرت بإصلاح النظام، حيث أدخلت "نظام تصريح العمل المرن" للعمال الذين فقدوا عملهم أو الذين يعملون بشكل غير نظامي، مما يسمح لهم بالعمل لدى أي جهة مقابل دفع رسوم شهرية.
الإمارات العربية المتحدة:
قامت بتطوير نظام الكفالة تدريجياً، مع التركيز على تنظيم العلاقات العمالية عبر عقود عمل موثقة وإتاحة آليات لتغيير العمل بشروط معيَّنة.
الخلاصة والتوصيات:
رغم أن الإصلاحات في دول الخليج خطت خطوات جادة نحو تحسين ظروف العمالة الوافدة وتحويل العلاقة إلى علاقة تعاقدية أكثر توازناً، إلا أن المنظمات الحقوقية لا تزال تُشير إلى أن النظام لم يُلغَ بالكامل في كل الدول، ولا تزال بعض القيود قائمة، خصوصاً بالنسبة لفئة العمالة المنزلية. يظل الهدف الأساسي هو استبدال نظام الكفالة بالكامل بنظام يعتمد على عقود العمل والقوانين التي تضمن حرية تنقُّل العمال وحماية حقوقهم بشكل كامل وفقاً للمعايير الدولية.