ملحمة طريق الهدا-الكرا: قصة إنشاء أول طريق سريع في الشرق الأوسط يربط الطائف بمكة وجدة، من أمر الملك سعود إلى افتتاح الملك فيصل

طريق جبل كرا: شريان الطائف نحو مكة، قصة إنشاء وتطوير

يُعد طريق جبل كرا، الذي يربط مدينة الطائف بالهدا ومن ثم بمكة المكرمة، تحفة هندسية وشريانًا حيويًا لعب دورًا محوريًا في تسهيل حركة التنقل بين هذه المدن المقدسة والمصيفية في المملكة العربية السعودية. لم يكن هذا الطريق مجرد ممر بري، بل كان مشروعًا طموحًا يعكس رؤية قيادية لتطوير البنية التحتية، ليصبح في وقته الأول من نوعه في الشرق الأوسط.


البداية الملكية والرؤية التنموية:

انبثقت فكرة إنشاء طريق سريع يربط الطائف بالهدا ومكة المكرمة من زيارة ملكية تاريخية. في عام 1375 هـ (1955 م)، قام الملك سعود بن عبدالعزيز آل سعود بزيارة إلى منطقة الهدا أثناء فترة اصطيافه. هذه الزيارة لم تكن مجرد تفقد، بل كانت نقطة انطلاق لمشروع عملاق. إذ سرعان ما أدرك الملك سعود أهمية وجود طريق يسهل الوصول إلى هذه المناطق الجبلية والربط بينها وبين المدن الكبرى.

بعد عامين، وتحديدًا في عام 1377 هـ (1958 م)، أصدر الملك سعود أمرًا ملكيًا لوزارة المواصلات (التي أصبحت لاحقًا وزارة النقل) ببدء مشروع توسعة وإنشاء طريق الطائف - الهدا - مكة. كان الهدف واضحًا: تحويل المسار الحالي إلى طريق سريع حديث بطول يبلغ 67 كيلومترًا في المرحلة الأولى، ليكون بذلك محورًا رئيسيًا يخدم الحجاج والمعتمرين والمصطافين على حد سواء.


متابعة ملكية وتنفيذ رائد:

لم يكن المشروع مجرد أمر ملكي يُصدر وينتهي، بل حظي بمتابعة دقيقة من القيادة. في شهر ربيع الأول من عام 1378 هـ (1958 م)، وخلال زيارة أخرى للملك سعود إلى الطائف، وجه المؤسسة الرائدة آنذاك، مؤسسة محمد بن لادن، بتكملة وصيانة الطريق. هذا التكليف لمؤسسة وطنية كبرى عكس الثقة في القدرات المحلية على تنفيذ المشاريع الضخمة.

الأهم من ذلك، أن ولي العهد في ذلك الوقت، الأمير فيصل بن عبدالعزيز، كان يولي المشروع اهتمامًا بالغًا. فقد تولى بنفسه متابعة تنفيذ المشروع والإشراف المباشر على جميع مراحل التنفيذ للطرق، مما ضمن سير العمل بفعالية وكفاءة عالية، وحرصًا على تحقيق الرؤية الملكية في أسرع وقت وأفضل جودة.


إنجاز فريد: أول طريق من نوعه في الشرق الأوسط

بعد سنوات من العمل الدؤوب والتحديات الهندسية التي رافقت شق الطريق عبر التضاريس الجبلية الوعرة، أصبحت الاستعدادات جارية للاحتفال بافتتاح طريق الطائف - الهدا - مكة الجديد. لم يكن هذا الافتتاح مجرد حدث عادي، بل كان إعلانًا عن إنجاز غير مسبوق: فقد كان هذا الطريق أول طريق من نوعه في الشرق الأوسط في ذلك الوقت، يتميز بتصميمه الحديث وقدرته على التعامل مع الأحمال المرورية الكبيرة وتوفير مسار آمن وسريع.

عكست أهمية المشروع حجم الاحتفال، حيث دعي لحفل الافتتاح عدد كبير من رجال الدولة البارزين وأعيان البلاد، بالإضافة إلى السفراء والسلك الدبلوماسي العربي والأجنبي، مما يؤكد المكانة الإقليمية والدولية لهذا الإنجاز الهندسي الذي وضع المملكة في مصاف الدول المتقدمة في مجال البنية التحتية الطرقية.


الشريان الحيوي والافتتاح الرسمي:

بدأ العمل الفعلي في هذا الشريان الحيوي مع بداية عام 1378 هـ (1958 م). بعد سبع سنوات من العمل المتواصل، تم افتتاح الطريق رسميًا يوم الأربعاء الموافق 3 صفر 1385 هـ، الموافق (1965 م). أقيم الافتتاح تحت رعاية كريمة من الملك فيصل بن عبدالعزيز، الذي كان قد تابع المشروع منذ بداياته كولي للعهد، ليشهد بنفسه تتويج هذا الإنجاز الكبير.

أصبح هذا الطريق منذ افتتاحه الشريان الرئيسي لمدينة الطائف. فهو لا يربطها بمكة المكرمة فحسب، بل يمتد تأثيره ليشمل ربط الطائف بمدينة جدة الساحلية المهمة، مما جعله محورًا لوجستيًا واقتصاديًا حيويًا، يسهل حركة التجارة والسياحة والحج والعمرة. يعتبر هذا الطريق جزءًا أساسيًا من طريق عقبة الهدا - الكرا الشهير، الذي يعتبر أيقونة هندسية بحد ذاتها، ويشكل الرابط الأساسي بين الطائف ومكة.


تفاصيل المسار: أقسام طريق جبل كرا

يبلغ الطول الإجمالي لهذا الطريق الحيوي 87 كيلومترًا، وهو مقسم إلى أربعة أقسام رئيسية لتسهيل التنقل وتحديد المسافات:

  • 21 كيلومترًا من مكة المكرمة إلى عرفات.
  • 23 كيلومترًا من عرفات إلى منطقة الكرا.
  • 23 كيلومترًا من الكرا إلى الهدا.
  • 20 كيلومترًا من الهدا إلى الطائف.

هذه الأقسام توضح امتداد الطريق وتكامل مساره في خدمة المدن التي يربطها، مما يعكس التخطيط الدقيق والجهد الكبير الذي بذل في إنجاز هذا المشروع العملاق الذي لا يزال يخدم الملايين حتى يومنا هذا.

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال