المجاز اللغويّ المفرد المرسل وعلاقاته.. السببية. امسببية. الكلية. الجزئية. الآلية. اعتبار ما كان أو ما يكون. الحالية. المحلية. المجاورة. اللازمية. الملزومية. التقييد والإطلاق. العموم. الخصوص. البدلية. المبدلية. التعلق الاشتقاقي. المجاز بالمشارفة

المجازُ المفردُ المرسلُ: هو الكلمةُ المستعملةُ قصداً في غير معناها الأصليِّ لملاحظةِ علاقةٍ غيرِ (المشابهةِ) مع قرينةٍ دالّةٍ على عدمِ إرادة المعنى الوضعيِّ.

وله علاقاتٌ كثيرةٌ  أهمُّها:
1- السببيَّةُ:
هي كونُ الشيءِ المنقولِ عنه سبباً ومؤثراً في غيرهِ، وذلك فيما إذا ذكِرَ لفظُ السببِ، وأريدَ منه المسبِّبُ، نحو: رعتِ الماشيةُ الغيثَ – أي النباتَ، لأنَّ الغيثَ أيْ (المطرَ) سببٌ فيه، وقرينتُه (لفظيةٌ) وهي (رعَت) لأنَّ العلاقةَ تعتبرُ من جهةِ المعنى المنقولِ عنه، ونحو: لفلانٍ عليَّ يدٌ، تريدُ باليد  النعمةَ، لأنها سببٌ فيها.

2- المسببيَّةُ:
هي أن يكونَ المنقولُ عنه مسبَّباً وأثراً لشيء آخر، وذلك فيما إذا ذكِرَ لفظُ المسبِّبِ، وأريدَ منه السببُ، نحو قوله تعالى: (وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ رِزْقًا) [غافر/13] أي: مطراً يسبِّبُ الرزقَ.

3- الكليةُ:
هي كونُ الشيءِ متضمناً للمقصود ولغيره، وذلك فيما إذا ذكرَ لفظُ الكلِّ، وأريدَ منه الجزءُ، نحو قوله تعالى: (يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آَذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ) [البقرة/19] أي أناملَهم، والقرينةُ (حاليةٌ) وهي استحالةُ إدخالِ الأصبعِ كلِّه في الأذنِ، ونحو: شربتُ ماءَ النيل – والمرادُ بعضُهُ، بقرينةِ شربتُ.

4- الجزئيةُ:
هي كونُ المذكورِ ضمنَ شيءٍ آخر، وذلك فيما إذا ذكرَ لفظُ الجزءِ، وأريدَ منه الكلُّ، كقوله تعالى: {..وَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِّيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةً..} (92) سورة النساء ، ونحو: نشرَ الحاكمُ عيونَهُ في المدينة، أي الجواسيسُ، فالعيونُ مجازٌ مرسلٌ، علاقتُه (الجزئيةُ) لأنَّ كلَّ عينٍ جزءٌ من جاسوسِها – والقرينةُ الاستحالةُ.

5- الآليةُ:
هي كونُ الشيء واسطةً لإيصالِ أثر شيءٍ إلى آخر، وذلك فيما إذا ذكرَ اسمُ الآلةِ، وأريدَ الأثرُ الذي ينتجُ عنه، نحو قوله تعالى: (وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآَخِرِينَ) [الشعراء/84] أي ذكراً حسناً ، (فلسانٌ) بمعنى ذكرٍ حسنٍ مجازٌ مرسلٌ، علاقتُه (الآليةُ) لأنَّ اللسانَ آلةٌ في الذكرِ الحسنِ.

6- اعتبارُ ما كانَ:
هو النظرُ إلى الماضي، أيْ تسميةُ الشيءِ باسم ما كانَ عليه، نحو قوله تعالى: (وَآَتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ  ) [النساء/2]، أي الذين كانوا يتامَى ثم بلغوا، فاليتامَى: مجازٌ مرسلٌ، علاقتُه (اعتبارُ ما كانَ)، وهذا إذا جرينا على أنِّ دلالةَ الصفةِ على الحاضرِ حقيقةٌ، وعلى ما عداهُ مجازٌ.

7- اعتبارُ ما يكونُ:
هو النظرُ  إلى المستقبلِ، وذلك فيما إذا أطلقَ اسمُ الشيء على ما يؤولُ إليه، كقوله تعالى: {وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانَ قَالَ أَحَدُهُمَآ إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا..} (36) سورة يوسف  ،أي: عصيراً يؤولُ أمرهُ إلى خمرٍ، لأنهُ حالَ عصرهِ لا يكونُ خمراً، فالعلاقةُ هنا: اعتبارُ (ما يؤولُ إليه)، ونحو قوله تعالى: (وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا) [نوح/27]، والمولودُ حين يولدُ، لا يكونُ فاجراً، ولا كافراً، ولكنهُ قد يكونُ كذلك بعد الطفولةِ، فأطلقَ المولودَ الفاجرَ، وأريدَ به الرجلَ الفاجرَ، والعلاقةُ، اعتبارُ (ما يكونُ)ُ.

8- الحاليّةُ:
هي كونُ الشيء حالاً في غيره، وذلك فيما إذا ذكرَ لفظُ الحالِ، وأريدَ المحلَّ لما بينهما من الملازمةِ، نحو قوله تعالى: (وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [آل عمران/107]).
فالمرادُ من (الرحمةِ) الجنةُ التي تحلُّ فيها الرحمةُ، فهم في جنةٍ تحلُّ فيها رحمةُ الله، ففيه مجازٌ مرسلُ، علاقتُه (الحاليةُ)، وكقوله تعالى: (يَا بَنِي آَدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ  [الأعراف/31]) أي لباسَكم، لحلولِ الزينةِ  فيهنَّ، فالزينةُ حالٌ واللباسُ محِلُّها.

9- المحليَّةُ:
هي كون الشيءِ يحلُّ فيه غيره، وذلك فيما إذا ذكر َلفظُ المحلِّ، وأريدَ به الحالَّ فيه – كقوله تعالى: (فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ (17) سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ  [العلق/17، 18])، والمراد من يحلُّ في النادي.

وكقوله تعالى: (يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ [آل عمران/167])، أي ألسنتُهم، لأنِّ القولَ لا يكون عادةً إلا بها. ونحو قوله تعالى: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيْرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا وَإِنَّا لَصَادِقُونَ} (82) سورة يوسف. أي اسأل أهلَ القرية. واسأل أهلَ العير.

 10- المجاورةُ:
هي كونُ الشيءِ مجاوراً لشيءٍ آخر، نحو كلَّمتُ الجدارَ والعامودَ، أي الجالسَ بجوارهِما، فالجدارُ والعامودُ مجازانِ مرسلان ِ علاقتهُما (المجاورةُ).

11- اللاّزميَّةُ:
هي كونُ الشيء يجبُ وجودُه، عند وجودِ شيءٍ آخر، نحو: طلعَ الضَّوءُ، أي الشمسُ; فالضوءُ مجازٌ مرسلٌ، علاقتُه اللازميِّةُ، لأنه يوجدُ عند وجودِ الشمسِ، والمعتبرُ هنا اللزومُ الخاصُّ، وهو عدمُ الانفكاكِ.

12- الملزوميةُ:
هي كون الشيءِ يجبُ عند وجودهٍ وجودُ شيءٍ آخر، نحو: ملأتِ الشمسُ المكانَ، أي الضَّوءَ، فالشمسُ مجازٌ مرسلٌ، علاقتُه الملزوميَّةٌ، لأنها متَى وُجدتْ وُجدَ الضّوءُ، والقرينةُ ملأت.

13- التّقييدُ، ثمّ الإطلاقُ:
هو كون الشيءِ مُقَيّداًً بقيدٍ أو أكثرَ، نحو: مِشْفرُ زيدٍ مَجْرُوحٌ; فإن المِشْفَر لغةً: شَفَةُ البعيرِ، ثم أُريدَ هنا مطلقَ شفةً، فكان في هذا منقولاً عن المقيدِ إلى المطلَقِ، وكان مجازاً مرسلاً، علاقتُه التقييدُ، ثم نُقِل َمن مطلقِ شفةٍ، إلى شفةِ الإنسانِ، فكان مجازاً مرسلاً بمرتبتينِ، وكانت علاقتُه التّقييدَ والإطلاقَ.

14- العمومُ:
هو كون الشيءِ شاملاً لكثيرٍ، نحو قوله تعالى:(أمْ يَحْسُدون الناس)[النساء: 54]، أي النبيَّ (صلى الله عليه  وسلَّم) فالناسُ مجازٌ مرسلٌ، علاقتُه العمومُ، ومثله قوله تعالى: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} (173) سورة آل عمران، فإنَّ المرادَ من الناسِ واحدٌ، وهو نعيمُ بنُ مسعودٍ الأشجعيِّ[1].

15- الخصوصُ:
هو كون اللفظِ خاصاً بشيءٍ واحدٍ، كإطلاقِ اسم الشخصِ على القبيلةِ، نحو: ربيعةٌ وقريشٌ.

16- البدليةُ:
هي كونُ الشيءِ بدلاً عن شيءٍ آخر، كقوله تعالى: (فإذا قضيْتُمُ الصَّلاةِ) [النساء: 103] والمرادُ: الأداءُ.

17- المبدليةُ:
هي كون الشيءِ مبدلاً منه شيءٌ آخر، نحو: أكلتُ دمَ زيدٍ أيْ ديتَهُ.
فالدمُ مجازٌ مرسلٌ علاقتُه المبدليةُ، لأنَّ الدمَ: مبدلٌ عنهُ الديةُ.

18- التعلقُ الاشتقاقيُّ:
هو إقامةُ صيغةٍ مقامَ أخرى، وذلك:

أ)- كإطلاق المصدرِ على اسم المفعولِ، في قوله تعالى: (صُنْعَ الله الذي أتقن كل شيء) [النمل: 88] أي مصنوعُه.

ب)- وكإطلاقِ اسم الفاعلِ على المصدرِ، في قوله تعالى: {لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ} (2) سورة الواقعة ، أي تكذيبٌ. وكقوله تعالى: {هَذَا خَلْقُ اللَّهِ .} (11) سورة لقمان، أي مخلوقُه.

ج)- وكإطلاق اسمِ الفاعل على اسم المفعولِ، في قوله تعالى: {.. قَالَ لاَ عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ إِلاَّ مَن رَّحِمَ..} (43) سورة هود، أي لا معصومَ.

د)- وكإطلاق اسمِ المفعولِ على اسم الفاعلِ، في قوله تعالى: {وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ حِجَابًا مَّسْتُورًا} (45) سورة الإسراء، أي ساتراً.
والقرينة على مجازية ما تقدم، هي ذكرُ ما يمنعُ إرادةِ المعنى الأصليِّ.

هـ)- إطلاقُ اسمِ المفعولِ على المصدرِ، كقوله: (بمنصورِ النبيِّ على الأعادي...) أي بمثلِ نصرةِ النبيِّ (صلى الله عليه وسلَّم) على أعاديهِ.

19- المجازُ بالمشارفةِ:
وهو كالمجاز بالأَولِ إلا أنَّ الفرقَ بينهما كون (الأَوْلِ) أعمَّ من القريبِ والبعيدِ، و(المشارفةُ) لخصوصِ القريبِ، قال صلى الله عليه وسلم: «مَنْ قَتَلَ قَتِيلاً فَلَهُ سَلَبُهُ »[2]. فإنَّ القتيلَ لا يُقتلُ، وإنما المرادُ المشرفُ على القتلِ، ومثله: قوله  صلى الله عليه وسلم: «إِذَا مَاتَ الْمَيِّتُ عُرِضَ عَلَيْهِ مَقْعَدُهُ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِىِّ فَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَمِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَمِنْ أَهْلِ النَّارِ ثُمَّ يُقَالُ هَذَا مَقْعَدُكَ حَتَّى يَبْعَثَكَ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»[3]. 

[1]- الإتقان - (ج 1 / ص 247) والإحكام في أصول القرآن - (ج 1 / ص 220) والدر المصون في علم الكتاب المكنون - (ج 1 / ص 1218و1532).
[2]- موطأ مالك  برقم (980) وهو صحيح.
[3]- سنن الترمذى برقم (1093) وهو صحيح.

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال