بيبو (Bebo): منبر الصداقة الافتراضية في عصرها الذهبي
يُعتبر "بيبو" (Bebo) واحدًا من أبرز شبكات التواصل الاجتماعي التي ظهرت في منتصف الألفية الثانية، والتي شكلت جزءًا مهمًا من المشهد الرقمي قبل هيمنة فيسبوك. اسم "Bebo" هو اختصار لعبارة "Blog Early, Blog Often" (دوّن مبكرًا، دوّن كثيرًا)، وهو ما عكس فلسفة المنصة في تشجيع المستخدمين على التعبير عن أنفسهم.
1. النشأة والنمو السريع (2005-2008)
تأسس "بيبو" في يناير 2005 على يد الزوجين البريطانيين مايكل وإكسيل بيري في الولايات المتحدة الأمريكية. بدأ كموقع للتواصل الاجتماعي يركز على إنشاء الملفات الشخصية، ومشاركة الصور، والتواصل مع الأصدقاء. سرعان ما اكتسب شعبية هائلة، خصوصًا في المملكة المتحدة وأيرلندا، حيث أصبح الموقع الأكثر زيارة بعد محرك البحث جوجل.
ما يميز بيبو في هذه المرحلة:
- تصميم بسيط وقابل للتخصيص: كان المستخدمون يستطيعون تخصيص صفحاتهم الشخصية بشكل كبير، مما منحهم شعورًا بالملكية والخصوصية.
- "لوحة بيضاء" (Whiteboard): كانت هذه الميزة الفريدة تسمح للأصدقاء برسم رسائل أو ترك ملاحظات على صفحة بعضهم البعض، مما أضاف طابعًا تفاعليًا ومرحًا.
- "الارتباطات الاجتماعية" (Social Links): سمحت هذه الميزة للمستخدمين بإظهار أقرب أصدقائهم على صفحتهم، مما خلق نوعًا من "الخريطة الاجتماعية" التي كانت جذابة للشباب.
- المجتمع الفني: جذب "بيبو" فنانين وموسيقيين ناشئين، واستُخدم كمنصة للترويج لأعمالهم، مما زاد من جاذبيته لدى الفئة العمرية الشابة.
في عام 2007، وصل عدد مستخدميه إلى أكثر من 40 مليون مستخدم، متفوقًا على "ماي سبيس" و"فيسبوك" في بعض الأسواق الأوروبية.
2. عصر الذروة والاستحواذ (2008)
في عام 2008، كانت "بيبو" في قمة مجدها. ونتيجة لنموها الهائل وقاعدتها الجماهيرية الكبيرة، استحوذت عليها شركة AOL في صفقة بلغت قيمتها 850 مليون دولار أمريكي. كان هذا الاستحواذ بمثابة شهادة على قوة "بيبو" وتأثيره في ذلك الوقت. كان الهدف من الاستحواذ هو تعزيز مكانة AOL في سوق الإعلانات الرقمية ومواكبة المنافسة الشرسة في عالم الإنترنت.
3. التراجع والأفول (2009-2013)
لم يكن الاستحواذ على "بيبو" من قبل AOL ناجحًا كما كان متوقعًا. بدأت مشاكل عديدة تظهر أدت إلى تراجع المنصة السريع:
- صعود فيسبوك: كان صعود فيسبوك السريع والمتنامي في جميع أنحاء العالم هو أكبر تحدٍ لـ"بيبو". ففيسبوك قدم ميزات أكثر تكاملًا، وسهولة في الاستخدام، ونموًا عالميًا لم تستطع "بيبو" مجاراته.
- فشل التكامل مع AOL: لم تنجح AOL في دمج "بيبو" ضمن استراتيجيتها بشكل فعال، مما أدى إلى تدهور المنصة وتجاهل المستخدمين.
- غياب الابتكار: بعد الاستحواذ، لم يتم تحديث "بيبو" بميزات جديدة أو مبتكرة، مما جعله يبدو قديمًا مقارنةً بمنافسيه.
- الأزمة المالية العالمية: تأثرت AOL بالأزمة المالية، مما أدى إلى قرارات صعبة، كان من بينها بيع "بيبو" مقابل مبلغ زهيد.
في عام 2013، اشترى المؤسس الأصلي، مايكل بيري، شركته مرة أخرى مقابل مليون دولار فقط، وهو جزء بسيط من المبلغ الذي بيعت به قبل خمس سنوات.
4. محاولات الإحياء والفشل (2013-2022)
بعد استعادة ملكية "بيبو"، حاول مايكل بيري إحياء المنصة بتقديم نسخ جديدة ومختلفة، كان آخرها تطبيق للهواتف المحمولة يركز على المحتوى الترفيهي. لكن هذه المحاولات لم تنجح في استعادة بريق "بيبو" السابق. ومع هيمنة تطبيقات مثل إنستغرام وتيك توك، أصبحت مهمة إحياء "بيبو" شبه مستحيلة. في عام 2019، تم بيع "بيبو" إلى شركة Amazon Twitch، وفي عام 2022، أعلنت المنصة إغلاق جميع خدماتها بشكل نهائي.
خلاصة:
تاريخ "بيبو" يُعد دراسة حالة كلاسيكية في عالم التكنولوجيا عن كيف يمكن لشركة صاعدة أن تصل إلى القمة بسرعة، ثم تتلاشى بنفس السرعة. كان "بيبو" أكثر من مجرد موقع تواصل اجتماعي؛ كان يمثل جيلًا كاملاً من الشباب الذين وجدوا فيه مساحة للتعبير عن أنفسهم وتكوين صداقات افتراضية، قبل أن يغير فيسبوك قواعد اللعبة إلى الأبد.