واقع الأوقاف الجزائرية بعد الاستقلال.. الأملاك الوقفية وأملاك الجمعيات الخيرية معترف بها وتتمتع بالحماية القانونية الدستورية



بعد استقلال الجزائر ونتيجة للفراغ القانوني الكبير الذي واجهته الدولة آنذاك صدر أمر في شهر ديسمبر 1962 يمدد سريان القوانين الفرنسية، واستثنى تلك التي تمس بالسيادة الوطنية، وبالتالي لم يكن ضمن اهتمامات الدولة موضوع الأوقاف المتبقية أو التي ضاعت مما أثر سلبا على وضعيتها (خاصة من حيث الرعاية والصيانة بالنسبة للتي بقيت)، بل استمر العمل بالقانون الفرنسي في التعامل مع الأملاك الوقفية، وإذا لم تكتسب الأوقاف الشرعية الإدارية اللازمة للقيام بدورها...، بل حصر دورها في ميادين جد محدودة ومجالات ضيقة مثل المساجد والكتاتيب والزوايا.
ولتدارك الموقف صدر أول مرسوم في سبتمبر 1964 يتضمن نظام الأملاك الموقوفة العامة باقتراح من وزير الأوقاف، إلا أن هذا المرسوم لم يعرف التطبيق الميداني، وبقي حال الوقف مثلما كان على عهد الاستعمار.
وفي نوفمبر 1971 صدر مرسوم الثورة الزراعية، ورغم أن هذا المرسوم استثنى الأراضي الموقوفة من التأميم إلا أن تطبيق ذلك لم يكن كما نص عليه، بل أدرجت معظم الأراضي الوقفية ضمن الثورة الزراعية، مما زاد من تقهقر وضعية الأملاك الوقفية حتى تلك التي كانت معروفة بعد الاستقلال، وفلتت من الضياع والنهب أثناء الفترة الاستعمارية، وهذا ما عقّد من مشكلة العقار الوقفي.
وظلت وضعية الأملاك الوقفية في الجزائر سيّئة بل ازدادت سوءا مع مرور الزمن، رغم صدور قانون الأسرة في جوان 1984 الذي لم يأت بجديد فيما يخص تنظيم الأملاك الوقفية لكنه أشار إلى مفاهيم عامة حول الوقف.
يتضح مما سبق أن الأملاك الوقفية عرفت إهمالا حتى بعد الاستقلال، حيث تعرّض معظمها  للاندثار خاصة العقارات المبنية بسبب الآثار الطبيعية وغياب الصيانة، مع ضياع الوثائق والعقود الخاصة بها، ثم توقف عملية الوقف.
 ولم تكن الانطلاقة الفعلية في حماية الممتلكات الوقفية وإصلاحها، إلا بصدور دستور 1989 الذي نص في المادة 49 منه على أن الأملاك الوقفية وأملاك الجمعيات الخيرية معترف بها، فأصبحت الأملاك الوقفية بدءا من ذلك الوقت تتمتع بالحماية القانونية الدستورية، ليتوالى صدور قوانين ومراسيم وقرارات عزّزت من وضعية الأملاك الوقفية في الجزائر، ومكّنت من استرجاع مكانة الأوقاف بالتدريج في المجتمع الجزائري، ومن بين ما صدر ما يلي:
- القانون رقم 91/10 المؤرّخ في 12 شوال عام 1411 هـ الموافق 27 أبريل 1991 المتعلق بالأملاك الوقفية وتضمن 50 مادة تنظيمية.
- المرسوم التنفيذي رقم 98/381 المؤرخ في 12 شعبان 1419هـ الموافق 1 ديسمبر 1998 الذي حدد شروط إدارة الأملاك الوقفية وتسييرها وحمايتها وكيفيات ذلك، حيث تضمن خمسة فصول و40 مادة في مختلف الأحكام.
- القرار الوزاري المشترك رقم 31 المؤرخ في 14 ذي القعدة 1419هـ الموافق 2 مارس 1999 المتضمن إنشاء صندوق مركزي للأوقاف بإشراف وزارتي المالية والشؤون الدينية والأوقاف.
- قرار وزاري بتاريخ 10 أفريل2000 يحدد كيفيات ضبط الإيرادات الوقفية ونفقاتها.
- قانون 01/07 الصادر بتاريخ 22 ماي 2001 المعدل والمتمم لقانون 91/10، حيث اهتم بتنمية الوقف واستثماره.
  وانطلاقا من هذه القوانين والمراسيم والقرارات وغيرها ،نلاحظ بأن النشاط التشريعي في مجال الأوقاف عرف نقلة نوعية خاصة بعد دستور 1989، مما عزّز من مكانة الأوقاف في القانون الجزائري، واستطاعت أن تصل إلى قانون يضمن ويحث على تنميتها وتثميرها ، بما يمكّن من توسيع قاعدتها وترقية أدائها في المجتمع.