حملة نابليون على الشام: من تل الطابور إلى هزيمة عكا
شكلت حملة نابليون بونابرت على بلاد الشام في عام 1799، والتي تضمنت أحداثًا مفصلية كـ "معركة تل الطابور" وحصار عكا، نقطة تحول حاسمة في تاريخ الوجود الفرنسي بالمنطقة.
معركة تل الطابور (جبل الطور): نصر مؤقت ومحدود
في خضم الحملة على بلاد الشام ومحاولة نابليون لكسر الحصار على جيشه، برزت معركة تل الطابور (أو جبل الطور) التي وقعت بتاريخ 16 أبريل 1799. كانت هذه المعركة حدثًا جانبيًا هامًا دارت رحاه بالقرب من جبل الطور (طابور) في الجليل، وشهدت مواجهة بين القوات الفرنسية بقيادة نابليون نفسه والقوات العثمانية.
- الأهمية: تمكن نابليون من تحقيق نصر تكتيكي في هذه المعركة، مما عزز موقعه العسكري في المنطقة لوقت قصير.
- الطبيعة: على الرغم من هذا الانتصار، لم يغير هذا النصر الاستراتيجي العام للحملة، والتي ظلت تتجه نحو الفشل الذريع أمام أسوار عكا.
فشل حصار عكا والانسحاب الكبير:
بعد معركة تل الطابور، ظل الهدف الأكبر لنابليون هو الاستيلاء على مدينة عكا الساحلية. بدأ نابليون حصاره للمدينة، لكنه استمر لأكثر من شهرين دون تحقيق أي اختراق.
أسباب فشل حصار عكا وتفصيلها:
- حصانة المدينة وتحصيناتها: كانت أسوار عكا قوية وذات تحصينات ممتازة، مما جعل اختراقها تحديًا كبيرًا للقوات الفرنسية.
- استماتة المدافعين: أظهر المدافعون الأتراك والسكان المحليون بسالَة وصمودًا منقطع النظير في الدفاع عن مدينتهم.
التدخل البريطاني الحاسم: كان لدخول الأسطول البحري البريطاني بقيادة الأميرال سيدني سميث دور محوري. حيث:
- قام الأسطول بقطع خطوط الإمداد البحرية الفرنسية.
- قدم الإنجليز الخبراء العسكريين والعتاد لدعم المدافعين العثمانيين.
- ساهم هذا الدعم في رفع الروح المعنوية للمحاصرين.
- عداء المنطقة الشامل: واجهت الحملة الفرنسية عداءً واسعًا من سكان المنطقة بشكل عام، مما أثر سلبًا على إمدادات الجيش الفرنسي وحركته.
- الخسائر البشرية الفادحة وعدم التعويض: تكبد نابليون خسائر بشرية ضخمة بلغت حوالي 3500 جندي فرنسي. في ظل بعده عن مصادر التعويض في أوروبا، كانت هذه الخسارة ضربة قاضية لقدرته على مواصلة القتال.
نتائج الانسحاب المأساوي:
فشلت الحملة تمامًا، ونتيجة لذلك، قرر نابليون الانسحاب من أمام أسوار عكا في 20 مايو 1799. كان هذا الانسحاب بداية الفصل الأكثر مأساوية في الحملة:
مذبحة يافا المروعة (الطاعون):
- وصل نابليون إلى يافا في 24 مايو 1799 ليجد أن مئات الجنود الفرنسيين مصابون بوباء الطاعون المستشري.
- في قرار مروع، يُقال إنه أمر الأطباء بإعطاء الجنود المصابين جرعات قاتلة من السم لتخليصهم من عذاب المرض ومنع انتشار العدوى، ولما رفض الأطباء، حملهم على ألواح خشبية لنقلهم إلى مصر.
- تدمير الآثار والعتاد: قبل مغادرته فلسطين، أصدر نابليون أمرًا بنسف كافة التحصينات التي أقامها، كما قام بإلقاء العتاد والمدفعية الثقيلة في البحر أو دفنها في الرمال لتجنب وقوعها في أيدي الأعداء.
- الوصول إلى مصر: غادر نابليون فلسطين، ووصل إلى العريش في 14 يونيو 1799، منهيًا بذلك فصلاً فاشلاً من غزوه للمنطقة.
المسألة اليهودية ومشروع نابليون المؤجل:
أثناء فترة حصار عكا، نشرت الجريدة الرسمية الفرنسية بيانًا يمثل حدثًا جانبيًا لكنه ذو دلالة تاريخية عميقة.
- مضمون الدعوة: دعا نابليون في هذا البيان اليهود إلى مؤازرة فرنسا وانتهاز فرصة وجوده في فلسطين من أجل تحقيق آمالهم في التواجد في المنطقة الواقعة بين عكا والإسكندرية.
- المصير: كان هذا المشروع بمثابة مبادرة سياسية لاستغلال الدعم اليهودي، لكنه اختنق ودفن بعد الفشل الكامل للحملة وانسحاب نابليون.
- التبعات: على الرغم من إجهاض هذا المشروع الفرنسي، إلا أن الفكرة المتعلقة بتأسيس كيان لليهود في المنطقة لم تمت، بل التقطتها القوى الأوروبية الكبرى وعلى رأسها بريطانيا فيما بعد، لتصبح جزءًا لا يتجزأ من الصراع المستقبلي على المنطقة.
