نظرية الظروف الطارئة (Théorie de l'Imprévision): ضمان استمرارية المرفق العام وإعادة التوازن المالي للعقود الإدارية
تُعد نظرية الظروف الطارئة من المبادئ المميزة للقانون الإداري، وتهدف إلى تحقيق العدالة والمرونة في تنفيذ العقود الإدارية التي ترتبط ارتباطاً مباشراً باستمرارية وفعالية المرفق العام. هي نظرية استثنائية تُفعل عند وقوع أحداث غير متوقعة تؤدي إلى إرهاق مالي شديد للمتعاقد مع الإدارة.
أولاً: تعريف الظرف الطارئ ونطاق النظرية
تُعرّف نظرية الظروف الطارئة بأنها مجموعة من القواعد التي تتيح التدخل لإعادة التوازن المالي للعقد الإداري عندما يصبح تنفيذه مرهقاً للمتعاقد بسبب ظروف معينة طرأت بعد إبرام العقد.
الظرف الطارئ:
هو كل فعل صادر عن جهة إدارية غير الجهة المتعاقدة (مثل قرار تشريعي أو تنظيمي جديد من سلطة عليا أثر على التكاليف)، أو كل حادث اقتصادي أو طبيعي غير متوقع، والذي يؤدي إلى إخلال جسيم بالتوازن المالي للعقد.
نطاق التطبيق (العقود الإدارية):
تختص هذه النظرية بالعقود الإدارية دون غيرها، لأنها مرتبطة بفكرة استمرارية المرفق العام. عندما يواجه المتعاقد خسائر تهدده بالإفلاس والتوقف، فإن استمرار المرفق العام يصبح مهدداً، وهو ما يبرر تدخل الإدارة. الهدف ليس إنهاء العقد (كالقوة القاهرة)، بل إنقاذه وإعادة التوازن إليه.
ثانياً: الشروط الجوهرية لاعتماد النظرية
للاعتراف بوجود "ظرف طارئ" يخول المتعاقد حق التعويض، يضع القضاء الإداري شروطاً صارمة لابد من توافرها جميعاً:
1. أن يكون الحادث غير متوقع وغير عادي (الاستثنائية)
يجب أن يكون السبب الذي أحدث الإخلال المالي حدثاً خارجاً عن التوقعات المعتادة التي كان من الممكن لأي متعاقد حريص التنبؤ بها عند إبرام العقد.
أمثلة للأحداث غير المتوقعة:
- الأزمات الاقتصادية المفاجئة: كالارتفاع الجنوني في أسعار المواد الأولية أو الطاقة (الوقود) على المستوى الوطني أو الدولي بشكل يفوق التغيرات السوقية العادية.
- الكوارث الطبيعية الجسيمة: كالجفاف الشديد، الفيضانات المدمرة، أو الزلازل التي تؤثر بشكل واسع على منطقة التنفيذ.
- القرارات السياسية أو الإدارية غير المتوقعة: مثل إعلان حرب مفاجئة، أو حصار اقتصادي، أو قرارات إدارية من سلطة غير متعاقدة أدت لزيادة التكاليف (مثلاً فرض رسوم جديدة بشكل مفاجئ).
2. أن يحدث انقلاب في التوازن المالي (الخسارة الجسيمة)
هذا هو الشرط المالي، ويجب أن يترتب على الظرف الطارئ:
- الإرهاق الشديد: أن يصبح تنفيذ العقد مرهقاً جداً ومكلفاً، لدرجة قلب التوازن المالي للعقد رأساً على عقب. لا يكفي تحقيق خسارة بسيطة أو عادية، بل يجب أن تكون خسارة جسيمة تتجاوز بشكل كبير هامش المخاطرة المعتاد الذي يتحمله المتعاقد.
- تهديد استمرارية النشاط: يجب أن تصل الخسارة إلى حد يجعل المتعاقد على وشك الانقطاع عن مزاولة نشاطه أو يواجه خطر الإفلاس، مما يستلزم تدخلاً عاجلاً من الإدارة لتقديم إعانة مادية.
3. أن يكون الحادث خارجاً عن إرادة المتعاقدين
يجب أن يكون سبب الخلل المالي حدثاً أجنبياً ليس لأي من طرفي العقد يد فيه:
- لا يرجع للإدارة المتعاقدة: لا يجوز أن يكون سبب الإرهاق قراراً صادراً عن الإدارة المتعاقدة نفسها (لأن هذا يندرج تحت نظرية فعل الأمير، وهي نظرية أخرى تضمن تعويضاً كاملاً).
- لا يرجع لخطأ المتعاقد: يجب ألا يكون السبب تقصيراً، أو سوء تخطيط، أو خطأ فنياً أو إدارياً من جانب المتعاقد مع الإدارة.
ثالثاً: الأثر المترتب على الإقرار بالظرف الطارئ (التعويض)
عندما يعترف القضاء الإداري بتوافر شروط الظرف الطارئ، يخول ذلك المتعاقد حقاً في التعويض، لكن هذا التعويض له طبيعة خاصة:
التعويض الجزئي:
- تشارك الإدارة المتعاقد في نصيب من الخسارة الجسيمة التي تجاوزت الحد المألوف، لكنها لا تتحمل الخسارة كاملة.
- يُترك للمتعاقد أن يتحمل الخسارة العادية التي كان يمكن توقعها أو تلك التي تقع ضمن نطاق المخاطرة المعتادة في أي مشروع.
التعويض المؤقت (الإعانة):
- التعويض يكون بمثابة إعانة مادية تُقدم للمتعاقد لتمكينه من مواصلة تنفيذ التزاماته.
- هذه الإعانة تكون مؤقتة وتستمر فقط طالما ظل الظرف الطارئ قائماً ومؤثراً على التكاليف. بمجرد زوال الظرف، يعود العقد إلى شروطه الأصلية ويُلغى التعويض الإضافي.
الهدف النهائي:
الغاية من التعويض هي إنقاذ العقد وضمان استمرار سير المرفق العام بانتظام واطراد، وليس إثراء المتعاقد أو تعويضه عن كل خسارة.
