المدرسة التاريخية في دراسة القانون.. الاعتقاد بأن القانون من صنع الزمن ويتطور وفقاً لتطور المجتمع وحاجاته وأنه لا توجد قواعد ثابتة عامة بالنسبة لجميع الشعوب والعصور



اشتهرت نظرية المدرسة التاريخية في مطلع القرن التاسع عشر وجاءت كرد فعل لنظرية القانون الطبيعي التي تبنتها الثورة الفرنسية ولحركة التشريع الواسعة التي أخذت بالتزايد والانتشار في ذلك الوقت.

- أخذ بهذه النظرية عدد كبير من الفقهاء الألمان وعلى رأسهم سافيني والذي أوضح مبادئه في رسالة شهيرة رد فيها على الفقيه تيبو الذي كان يدعو إلى تبني قانون مدني ألماني شبيه بالفرنسي.

- وتقوم هذه النظرية على الاعتقاد بأن القانون من صنع الزمن ويتطور وفقاً لتطور المجتمع وحاجاته وأنه لا توجد قواعد ثابتة عامة بالنسبة لجميع الشعوب وجميع العصور وإنما هنالك نظم قانونية مختلفة يختص كل منها بأمة من الأمم وهو يتصل بتاريخها وماضيها ويتطور معها كما تتطور اللغة والتقاليد وسائر العلاقات الاجتماعية.

- فالنظرية التاريخية تعارض نظرية القانون الطبيعي ولا تؤمن بوجود أسس ثابتة يدل عليها العقل ويرتكز إليها القانون الوضعي بل ترى بأن القانون ينشأ عفوياً بفعل القوى الداخلية الكامنة في المجتمع.

فالشعب على مر العصور هو الذي ينشأ قواعده القانونية تبعاً لحاجاته.
والنظام القانوني في كل أمة إنما هو عصارة ماضيها ووليد تراثها التاريخي.

1- ميزاتها:
إن النظرية التاريخية تتضمن جانب كبير من الصحة من حيث أنها تبين أثر المجتمع في تكوين النظم القانونية وتطورها ومدى اختلاف هذه النظم باختلاف الأزمنة.

2- عيوبها:
من أهم الانتقادات التي وجهت للنظرية التاريخية:

أ‌)- إن النظرية التاريخية إذ تعتبر أن النظم القانونية تنشأ وتتطور بصورة عفوية بفعل القوى الداخلية الكامنة في المجتمع إنما تنكر في الوقت نفسه أثر الإرادة الإنسانية الواعية في إنشاء هذه النظم وتطورها وفي الواقع يقول أيهرنج أن التطور لا يتم دوماً من تلقاء نفسه ولكن بعد صراع عنيف سعياً وراء غاية مرسومة، كما أن أغلب المبادئ القانونية السائدة في عصرنا كإلغاء الرق مثلاً لم يتم اكتسابها عفوياً ولكن بعد صراع مرير من أجلها، فالإنسان يلعب دوراً إيجابياً في إيجاد القانون وتطوره.

ب‌)- تعتبر النظرية التاريخية أن خير مصدر للقواعد القانونية هو العرف الذي يتبع المجتمع في تطوره ويخضع له، وهي تنظر نظرة المرتاب إلى التشريع لأنه بإقراره قواعد ثابتة يحد من التطور الطبيعي للقانون ويعيق تقدمه كما ترى أن دور التشريع يجب أن لا يتعدى إقرار ما تقضي به الأعراف وتبنيه.

ولكن من المغالاة اعتبار التشريع يعيق دوماً تطور القانون وخاصة في عصرنا الذي أصبح من السهل فيه إصدار التشريعات المختلفة في شتى المناسبات ووفقاً لتطور الحاجات الاجتماعية كما أنه من الخطأ القول أن التشريع يجب أن يقتصر فقط على إقرار الأعراف وتبنيها إذ كثيراً ما نجد أن التشريع يأتي ليعدل في هذه الأعرف أو ليلغيها حين يجد المشرع أنها لم تعد تناسب مصلحة المجتمع.

ت‌)- إن النظرية التاريخية تؤكد أن هنالك لكل أمة نظاماً قانونياً خاصاً بها يخضع لمؤثراتها الداخلية وهو الوحيد الذي يلائمها ويفي بحاجاتها وهي في الوقت نفسه تنفي إمكانية اقتباس الأمم بعضها من بعض بالنسبة لهذه النظم.

فإذا كانت النظم القانونية تتأثر بالبيئة فإن هذا التأثير ليس كبيراً إلى الحد الذي يصعب معه كل تقارب أو اقتباس بينها.

بل إن التجارب قد أثبتت أنه من الممكن في كثير من الأحيان أن تتبنى أمة من الأمم قوانين أمة غيرها وأن تطبقها لديها وتستفيد مما تتضمنه من مبادئ وقواعد كما فعلت بلادنا عندما استمدت التشريعات المدنية والتجارية والجزائية الحديثة من التشريعات الأجنبية.