يمكن إجمال أهم الفروق بين الرقابة القضائية على دستورية القوانين عن طريق الدعوى الأصلية (رقابة الإلغاء) والرقابة عن طريق الدفع (رقابة الامتناع) بالنواحي الآتية:
- أولاً: في طريقة الإلغاء (الدعوى الأصلية) تختص محكمة واحدة في الدولة بالنظر في دستورية القوانين، سواء كانت هذه المحكمة هي المحكمة العليا في النظام القضائي المطبق في الدولة أم كانت محكمة دستورية أنشئت خصيصاً للقيام بهذه المهمة.
أما في طريقة الامتناع (الدفع بعدم الدستورية) فإن جميع المحاكم على اختلاف أنواعها ودرجاتها في النظام القضائي تختص بالنظر في الدفع المقدَّم بعدم الدستورية.
- ثانياً: إن طريقة الإلغاء تفترض وجود نص دستوري صريح يجيز ممارسة رقابة الدستورية، ويحدد المحكمة المختصة بنظرها، والمدة التي يجب مراجعة المحكمة خلالها.
أما طريقة الدفع فلا تحتاج لمثل هذا النص الدستوري الصريح، وإن ممارستها لا تتقيد بمدة معينة، بل يمكن إثارة الدفع في كل مرة يراد تطبيق ذلك القانون في دعوى من الدعاوى القضائية.
وينتج عن ذلك أن طريقة الإلغاء التي ينص عليها الدستور تزول بإلغاء أو تعديل ذلك الدستور، في حين تبقى طريقة الدفع حتى بعد زوال الدستور، لأنها لم تقرر بموجب هذا الدستور، وذلك طبعاً ما لم ينص الدستور الجديد صراحة على منع هذه الرقابة.
- ثالثاً: رقابة الإلغاء هي وسيلة هجومية يتقدم بها صاحب الشأن مباشرة (عن طريق دعوى أصلية) أمام المحكمة المختصة، طالباً إلغاء قانون معين لعدم دستوريته.
في حين نجد أن رقابة الامتناع إنما هي وسيلة دفاعية، يلجأ إليها صاحب الشأن بطريقة غير مباشرة بمناسبة دعوى منظورة أمام القضاء يراد فيها تطبيق ذلك القانون المخالف للدستور.
- رابعاً: في حالة الرقابة عن طريق الدعوى الأصلية تحكم المحكمة المختصة بإلغاء القانون نهائياً إذا ما ثبت لها عدم دستوريته، ولذلك يطلق على هذه الرقابة اسم رقابة الإلغاء.
أما في حال الرقابة عن طريق الدفع بعدم الدستورية، فإن الحكم الصادر عن المحكمة يقتصر على الامتناع عن تطبيق ذلك القانون إذا رأت مخالفته للدستور على الدعوى المنظورة أمامها، ولذلك تسمى هذه الرقابة برقابة الامتناع.
- خامساً: يتمتع الحكم الصادر عن المحكمة في رقابة الإلغاء بالحجية المطلقة تجاه الكافة، لأن الدعوى المرفوعة هي دعوى موضوعية لا شخصية، بمعنى أن الطاعن لا يختصم خصماً معيناً، إنما قانوناً ينطبق على الجميع، فلا يسمح بإثارة مسألة دستورية القانون نفسه مرة أخرى أمام القضاء، وهذا ما يكفل وحدة التطبيق القضائي في الدولة، ويحول دون تضارب أحكام القضاء بهذا الخصوص، ويحول دون إشاعة القلق وعدم الاستقرار في المعاملات القانونية.
في حين نجد أن الحكم الذي تصدره المحكمة في رقابة الامتناع لا يتمتع سوى بحجية نسبية تقتصر على أطراف النزاع المعروض أمامها، ولهذا فإن الحكم الصادر لا يلزم المحاكم الأخرى، بل إنه لا يلزم المحكمة ذاتها التي أصدرته في دعاوى لاحقة، إذ يجوز لها أن تطبقه في دعوى أخرى والعدول عن رأيها الأول، حتى ولو كان الخصوم في الدعوى المطروحة هم الخصوم في الدعوى السابقة أنفسهم.
وهذا ما يؤدي إلى إمكانية قيام تناقض في أحكام المحاكم، وهذا من شأنه أن يخلق نوعاً من الفوضى، ويشيع نوعاً من القلق وعدم الاستقرار في المعاملات القانونية، وزعزعة الثقة بالنظام القضائي، لأنه يسمح بوجود حالة تقرر فيها إحدى المحاكم القضائية دستورية قانون ما، بينما تقرر غيرها أو هي ذاتها في دعاوى لاحقة عدم دستوريته.
- سادساً: إن ممارسة الرقابة عن طريق الدعوى الأصلية، وما يترتب عليها من إلغاء القانون المخالف للدستور، واعتباره كأنْ لمْ يكنْ سواء بأثر رجعي أو مباشر، قد تثير حساسية المشرِّع تجاه القضاء، بحجة أنه يعرقل التطورات التي تريد سلطة التشريع إحداثها عن طريق القوانين بما يواكب متطلبات العصر.
في حين نجد أن ممارسة هذه الرقابة عن طريق الدفع بعدم الدستورية لا تثير حساسية سلطة التشريع، ولا تؤدي إلى حدوث تصادم بينها وبين المحاكم القضائية، لأن هذه الأخيرة لا تتدخل في عمل السلطة التشريعية، ولا تقوم بإلغاء القانون المخالف للدستور، بل إنها تمتنع عن تطبيقه فقط.
التسميات
قانون دستوري