أساس الاجتماع البشري عند ابن خلدون.. ضرورة المجتمع الإنساني لتحقيق الحصول إلى القدر الكافي من الطعام وصناعة الأدوات التي تستعمل في الدفاع



كيف نشأ المجتمع؟ وعلى أي أساس؟
بالنسبة لأولئك الذين يؤكدون على أولوية الجماعة البشرية على الفرد مثل أرسطو، وابن خلدون وهيجل..، يعتبر المجتمع البشري نتيجة طبيعية أملتها الضرورة على الإنسان بوصفه كائنا يحتاج إلى الآخرين من بني جنسه لتحقيق حاجاته.

يرى ابن خلدون، في تصوره المبدئي للعمران، أن المجتمع الإنساني ضروري، وهو يقتبس القول المشهور الذي يجري على ألسنة الحكماء (القول الأرسطي) بترديدهم أن الإنسان مدني بالطبع أي لابد له من الاجتماع، ويلتفت ابن خلدون إلى الحقيقة الأزلية التي تتلخص في أن بقاء الإنسان على قيد الحياة مرهون بأمرين أساسيين هما:
- القوت أو الطعام الذي يحتاجه جسمه لكي يعيش وينمو،
- والدفاع الذي يقيه غائلة العدوان.

وإن كلا من تحصيل القوت والدفاع يقتضي التجمع أو الاجتماع، والاجتماع يكون بين المرء وبني جنسه، ومن ثم كان طبيعياً أن يعرف بالمجتمع الإنساني.

وعلى نهجه في التوضيح والتفصيل والتحليل، يقرر ابن خلدون أن قدرة الواحد من البشر قاصرة عن تحصيل حاجته من الغذاء الذي يفترض أنه أقل قدر من الحنطة، وأن هذا القدر من الحنطة يحتاج إلى زرع وطحن وعجن وطبخ، وأن الزراعة محتاجة إلى حصاد ودرس، والطحن والعجن والطبخ ومحتاج إلى مواعين وآلات لا تتم إلا بصناعات متعددة من حداد ونجار وفاخوري، ويستحيل أن تفي بذلك كله أو ببعضه قدرة الواحد، فلابد من اجتماع القدرات الكثيرة من أبناء الجنس الواحد، ولابد من التعاون بينهم لتحصيل الكفاية من الطعام.

ويخلص ابن خلدون إلى ضرورة المجتمع الإنساني لتحقيق الحصول إلى القدر الكافي من الطعام، وصناعة الأدوات التي تستعمل في الدفاع من رماح وسيوف...، فالإنسان وحده عاجز عن مدافعة الوحوش فلابد له من التعاون مع أبناء جنسه ليكون الدفاع مؤتيا ثماره.

يقول ابن خلدون: "وما لم يكن هذا التعاون فلا يحصل له – أي الإنسان – قوت ولا غــذاء، ولا تتم حياته لما ركبه الله تعالى عليه من الحاجة إلى الغذاء في حياته، ولا يحصل له أيضا دفاع عن نفسه لفقدان السلاح، فيكون فريسة للحيوانات، ويعالجه الهلاك عن مدى حياته ويبطل نوع البشر "، هكذا وبتفكير سهل أقرب إلى العفوية، وأسلوب سلس يربط ابن خلدون بين التعاون الإنساني في نطاق التجمع وبين فناء النوع البشري إذا حاد عن هذا السبيل.

ولكن ابن خلدون يريد أن يصل إلى معنى العمران في نطاق من القول والفكر الأكثر تحديداً فيقول مستطرداً: "وإذا كان التعاون حصل له – أي للإنسان – القوت للغذاء، والسلاح للمدافعة، وتمت حكمة الله في بقائه وحفظ نوعه، فإذن هذا المجتمع ضروري للنوع الإنساني، وإلا لم يكمل وجودهم وما أراد الله من اعتمار العالم بهم واستخلافه إياهم، وهذا هو معنى العمران الذي جعلناه موضوعا لهذا العلم".

أما بالنسبة لأولئك الذين يعتبرون أن المجتمع (الكل) هو مجموع الأفراد (مجموع الأجزاء) مثل روسو، لوك، هوبز... فمنشأ المجتمع عندهم يرجع إلى الاتفاق بين الأفراد، أو ما يسمى التعاقد الاجتماعي.