التعاقد الاجتماعي عند جان جاك روسو.. أداة إرادية تنازل بموجبها الأفراد عن حريتهم الطبيعية لصالح فرد آخر وأذابوا إرادتهم الفردية في إرادة عامة مشتركة



يرى روسو إن الإنسان قبل قيام المجتمع "المدني" كان يعيش في حرية كاملة واستقلال تام، ويفترض روسو إن الإنسان كان متوحشاً في الغالب لا يعرف أهله، ولعله لم يكن يعرف أولاده، ولا لغة له، ولا صناعة، ولا فضيلة، ولا رذيلة من حيث أنه لم يكن له مع أفراد نوعه أي علاقة يمكن أن تكون علاقة خلقية كان حاصلا بسهولة على وسائل إرضاء حاجاته الطبيعية ولم يصب إلا بالقليل من الأمراض قلما كان يحتاج إلى الأدوية لأن الصحة إنما تعتل بالإسراف في المعيشة وبالميول المصطنعة وما ينتج عنها من إجهاد جسمي وعقلي.

يرى روسو أن الحرية هي التي تميز الإنسان أكثر من الفهم. كيف خرج الإنسان من هذه الحالة؟

اضطرت الظروف الإنسان إلى التعاون مع غيره من أبناء نوعه... تعاوناً موقتاً كان الغرض منه صيد الحيوان... ثم اضطرتهم الفيضانات والزلازل إلى الاجتماع بصفة مستديمة فاخترعت اللغة وتغير السلوك وبرز الحسد.

إن هذا الاجتماع يمثل، في رأي روسو، حالة الطبيعة الخالية من القوانين والردع. ولكن تطور حياة الإنسان واتساع ضروراتها أدى إلى نشوء حالة مدنية منظمة بالقوانين تثبت الملكية ويتوطد فيها التفاوت بين الناس.

وهكذا يتحول الإنسان الطيب بالطبع إلى شرير بالاجتماع. لقد أصبح الاجتماع ضروريا ومن العبث العودة إلى حالة الطبيعة.
وأصبح من الضرورة إصلاح مفاسده بإقامة حكومة الصالحة وتربية المواطنين الصالحين.

وذلك عن طريق إيجاد مؤسسة تحمى بقوة المجتمع وتسمح بأن لا يخضع إلا لنفسه، وبأن تبقى له الحرية التي كان يتمتع بها من قبل.
لم تكن ملكية الأرض مضمونة بما فيه الكفاية.

وكان لابد من إيجاد وسائل جديدة لحمايتها. وقد لجأ الأغنياء إلى الحيلة للإيقاع بالفقراء وقد ابتكروا، كما يقول روسو، أذكى خطة عندما قالوا للفقراء نتحد لكي نحمي الضعفاء من الظلم والجور، ونضع قوانين العدل والسلم وبدلاً من أن نستنفذ قوانا في الاقتتال نوحد أنفسنا في سلطة عليا وفق الشرائع الحكيمة... وهكذا قاد تأسيس الملكية الأرضية البشر إلى العقد الاجتماعي.

كانت القوانين في البداية، على حد قول روسو، تفتقر إلى بعض الضوابط والمعايير الملزمة للأفراد وكان المجتمع بأسره يضمن احترامها والتقيد بها. لكن سرعان ما أوحى ضعف شكل الحكم هذا فكرة (توكيل أفراد معينين على الوديعة الخطيرة، السلطة العامة).

هكذا ظهر الولاة المنتخبون، بما أن الشعب وحَّد إرادته جمعاء في مشيئة واحدة، فيما يتصل بالعلاقات الاجتماعية، فإن كل ما وضع موضوعاً لهذه المشيئة صار قانوناً أساسياً ملزماً لجميع أعضاء الدولة بدون استثناء.

وهكذا نجد أن العقد الاجتماعي لا يتمخض، من منظور روسو عن تكوين المجتمع كتنظيم سياسي فحسب، وإنما يحدد أيضاً العلاقات المتبادلة بين الشعب وبين الذين انتخبهم لكي يحكموه.

لقد كان العقد الاجتماعي أداة إرادية تنازل بموجبها الأفراد عن حريتهم الطبيعية لصالح فرد آخر، وأذابوا إرادتهم الفردية في إرادة عامة مشتركة واتفقوا على قبول أحكام هذه (الإرادة العامة) كأحكام نهائية قاطعة، وكانت هذه الإرادة العامة هي السلطة صاحبة السيادة.

إن ما يخسره الإنسان من جراء العقد هو حريته الطبيعية اللامحدودة، وما يربحه بالمقابل هو الحرية المدنية وهو تملكه لكل ما ملكته يده.
على هذا الأساس يكون المجتمع "المدني" ثمرة للتعاقد الاجتماعي، مثلما أن المجتمع الطبيعي ثمرة للضرورات البيولوجية.