التجديد في التخطيط الحضري عند فرونسوا آشر.. التركيز على محاور تنمية المدن، بدل من تحديد آفاق نموها والتفكير في وسائل التنمية الحضرية والفاعلين المساهمين فيها



دراسة فرنسية لفرونسوا آشر (F.Ascher)؛ التجديد في التخطيط الحضري: 
مع نهاية التسعينات، بدأت بفرنسا موجة جديدة من الإهتمام المتزايد بالتخطيط الحضري بالنسبة للدولة أو الجماعات المحلية، بالنظر إلى أهمية الموضوع على مختلق الأصعدة.

وهكذا بدأت الدولة في مراجعة العديد من مخططات التعمير التوجيهية (SDAU في مقابلPDAU في الجزائر)، وإعداد أخرى والتكثيف من الملتقيات العلمية التي تجمع المهنيين والمسؤولين حول موضوع التجديد الحضري ومناهجه.

وقد لاحظ الباحث، اهتمام دولي متزايد بالتخطيط الحضري، صاحبه بروز فكرة إعادة النظر في أدوات التخطيط الحضري، على غرار ما حصل في انجلترا والولايات المتحدة الأمريكية، مدعمة بنقاشات علمية هامة حول المرجعيات والمواضيع والمنهجيات.

تنطلق الدراسة بالحديث، عن البدايات الأولى لهذا التجديد الحضري والتقييم المتواصل لأدوات التخطيط منذ 1967، تاريخ صدور قانون الإحتياطات العقارية (قانون الإحتياطات العقارية في الجزائر ظهر سنة 1974)، حيث عوضت المخططات الموجهة (PUD) والمخططات التفصيلية(P.D)، بالمخططات التوجيهية للتهيئة والتعمير (SDAU) ومخططات شغل الأرض (POS) والتي تعمل في إطار توجيهات المخططات التوجيهية. وهكذا ظهر جيل جديد من المخططات منذ 1970 وإلى نهاية الثمانينات.

بعدها، بدأت تثار الكثير من التحفظات على المخططات التوجيهية تلك، من قبل المهنيين أو المنتخبين على حد السواء (المرحلة ذاتها وصلنا إليها في الجزائر حاليا) ومنها:
- تحفظات حول محتوى المخططات والطبيعة التقليدية في صياغة المناطق (ZONING).
- تحفظات حول منهجية العمل التنازلي من المخطط التوجيهي إلى المخطط شغل الأرض.
- تحفظات حول التفاوت بين ملفات التخطيط ووسائل تنفيذ السياسات العمرانية.
- تحفظات حول نمط تسيير الأراضي من خلال حقوق الاستعمال وإشغال الأرض في المخطط(POS).

وهكذا، حاولت المخططات الجديدة (أو التي تمت مراجعتها) التركيز على محاور تنمية المدن، بدل من تحديد آفاق نموها والتفكير في وسائل التنمية الحضرية والفاعلين المساهمين فيها، وكذلك في مشروع المدينة أو التجمع السكاني كمجال حيوي مشترك ما بين مختلف المدن (البلديات).

كما حاولت إعادة النظر في طريقة الإعداد والبحث عن بديل أكثر ديموقراطي من خلال مفهوم المشاركة الجماعية والإجماع حول مشروع المدينة.

وعرجت الدراسة على الأزمة التي عرفتها فرنسا في السبعينات، لتتحدث مطولا عن المخططات القديمة لأنها كانت دوما تبحث عن الاستشراف بالمستقبل، بدل من محاولة ابتداعه وتحقيقه.

كما انتقدت الدراسة دور الدولة، الذي بدأ يتراجع من دورها التنموي والضابط والموزع للثروة، إلى مفهوم "المساعدة الإجتماعية"، وهو بالتالي ينتقد والتهميش الذي يحدثه النظام الليبرالي الجديد.

من جهة أخرى، يسير تقرير الدراسة، إلى ان المنتخبين من اليمين إلى اليسار، يرفضون تحديد خيارات لمدنهم على مدى 15 سنة، متحججين بأن المستقبل غير دقيق، وعلى الفاعلين الاجتماعيين والسكان أنفسهم المساهمة في إنتاج امدينة.

وتوصلت دراسة "آشر" في الأخير، إلى تحديد ملاحظات و تصورات مستقبلية للسياسة الحضرية المستقبلية في فرنسا أمام اشكالية التنمية الحضرية وهي:
- انتهاج التعمير عبر مشاريع، (التعمير الحالي أ ظهر مدنا ممزقة ومشتتة).
- التكيف مع التحولات الحضرية الجديدة.
- ظهور مسؤوليات جديدة على المستوى المحلي.
- البحث عن مناهج جديدة في تسيير المدن.
- اعتبار المدينة كمشروع في حد ذاتها.
- ضرورة صياغة ميكانيزمات جديدة في تسيير المدينة (Master-Projet).
- اتباع برنامج المشاريع الكبرى.
- الإنتفال من التقنين إلى قانون اللعبة، واقتصاد السوق والتكامل بين المصالح العامة والخاصة تحت رقابة الدولة.
- العودة إلى دور التركيبة العمرانية في انتاج المدينة(la composition urbaine).

وتتفق هذه الرؤى الجديدة من أجل التجديد بفرنسا، والتي نادى بها الخبراء مع نهاية الثمانينات، مع ما طرح في أحد الملتقيات الهامة الذي أنعقد بليون سنة 1989 حول التخطيط الحضري، إذ قدم أحد المسؤولين على قطاع التعمير والبناء، وأحد الخبراء بوزارة التجهيز والسكن بفرنسا سنة 1989 "Jean Frebault" ملاحظاته الأساسية التالية:
- يجب أن يُِهتم ويقدم المشروع على الإجراءات.
- يجب إحداث ثورة في الأذهان بدل من تغيير الإجراءات التشريعية.
- يجب ابتداع مناهج جديدة.
- التخطيط هو إقامة سلم متنوع من التدخلات مع التركيز على قطاعات محددة.
- يجب الاستثمار في الموارد البشرية.
- يجب تسيير المخططات التوجيهية.

وتكاد تقترب هذه التوجيهات، مما عمل به ببريطانيا في مجال التجديد الحضري (Town and Contry Planing Association) كاستراتيجية في التنمية الحضرية.

وكانت من مثل هذه الدراسات والآراء لخبراء الميدان في فرنسا تحديدا، دورا كبيرا في إحداث ثورة فكرية وتنظيمية وتشريعية، أحدثت تجديدا عمرانيا متميزا وتنمية حضرية أعطت نتائجها مع نهاية التسعينات وبداية هذا القرن، وتتواصل وفق استراتيجية متجددة على غرار "Agenda 21".