قيمة الجمال: رحلة في الفلسفة الكانطية ودولكمبان



جمال الأشياء: رحلة فلسفية في قيمتها

مقدمة:

لطالما شغلت مسألة قيمة الجمال الفلاسفة والفنانين والمفكرين على حدٍّ سواء. فما الذي يجعل شيئًا جميلاً؟ هل الجمال معيارٌ موضوعيٌّ ثابتٌ للجميع، أم هو ذاتيٌّ يختلف من شخصٍ لآخر؟

الجمال كـ "قانون بدون قانون":

يُقدم الفيلسوف الألماني إيمانويل كانط في كتابه "نقد الحكم الجمالي" رؤيةً فريدةً لقيمة الجمال. يرى كانط أنّ الحكم على الجمال حكمٌ ذاتيٌّ، أي يختلف من شخصٍ لآخر، ولا يمكن تحديده بقاعدةٍ ثابتةٍ.
ففي حين قد يرى شخصٌ ما لوحةً ما جميلةً، قد لا يرى شخصٌ آخر نفس الجمال فيها. ويرجع ذلك إلى أنّ الحكم على الجمال يعتمد على مشاعرنا وتجاربنا الشخصية.

جمالٌ عامٌ وذوقٌ خاص:

على الرغم من ذاتية الحكم على الجمال، يعتقد كانط أنّ هناك بعض الشروط التي يجب أن تتوفر في الشيء حتى يُعتبر جميلاً.
فمن أهمّ هذه الشروط:
  • الشكل: يجب أن يكون للشيء شكلٌ متناسقٌ ومتناغمٌ.
  • اللعب الحر للخيال: يجب أن يُثير الشيء خيالنا ويُحفزنا على التفكير والتأمل.
  • الشعور بالمتعة: يجب أن يُشعِرنا الشيء بالمتعة والسعادة.

فن العبقرية:

يربط كانط بين الجمال والفن. فهو يرى أنّ الفن الجميل هو فن العبقرية.
والعبقرية، حسب كانط، هي موهبةٌ طبيعيةٌ تُمكّن الفنان من خلق أعمالٍ فنيةٍ جميلةٍ.
وتتميز أعمال العبقرية بقدرتها على إثارة مشاعرنا وتجاربنا، وإلهامنا على التفكير والتأمل.

دور الذوق والعبقرية:

يؤكّد كانط على أهمية الذوق في الفن. فالذوق هو ملكةٌ تُمكّننا من الحكم على جمال الشيء.
ولكن الذوق وحده لا يكفي لخلق فنٍّ جميلٍ.
فالفنان يحتاج أيضًا إلى العبقرية، أي إلى الموهبة الطبيعية التي تُمكّنه من خلق أعمالٍ فنيةٍ تُثير مشاعرنا وتجاربنا.

توجيه التفكير:

يُقدّم الفيلسوف الفرنسي كريستيان دولكمبان وجهة نظرٍ مختلفةٍ لقيمة الجمال.
يرى دولكمبان أنّ قيمة العمل الفني لا تقتصر على جماله فقط، بل تتعدّى ذلك إلى قدرته على توجيه تفكيرنا نحو شيءٍ معينٍ.
فالعمل الفني الجيد هو الذي يُثير تفكيرنا ويُحفزنا على التساؤل والتأمل.

خاتمة:

تُقدم الفلسفة الكانطية ودولكمبان رؤىً مختلفةً لقيمة الجمال.
ففي حين يُركّز كانط على ذاتية الحكم على الجمال وأهمية الذوق والعبقرية في الفن، يُركّز دولكمبان على قدرة العمل الفني على توجيه تفكيرنا.
ولكنّ كلتا الرؤيتين تُؤكّدان على أنّ الجمال قيمةٌ هامّةٌ تُثري حياتنا وتُلهمنا على التفكير والتأمل.