حكم التورق غير المصرفي.. إن الله حرم أخذ دراهم بدراهم أكثر منها إلى أجل لما في ذلك من ضرر المحتاج وهو ربا النسيئة الذي حرمه الشارع وأجمع عليه العلماء



التورق غير المصرفي المعروف عند الفقهاء: أن يشتري سلعة بثمن مؤجل ثم يبيعها على غير من اشتراها منه بأقل من ثمنها نقدا، فمثلا: يشتري عمرو سيارة من زيد بخمسين ألف ريال مؤجلة على أقساط ثم يأخذ السيارة ويبيعها على غير زيد بأقل من ثمنها نقدا فيبيعها مثلا بأربعين ألف ريال لكي يتوسع بالثمن.

هذه المسألة اختلف العلماء السابقون في حكمها على أقوال:

القول الأول:
الجمهور من أهل العلم على جواز هذه المعاملة، فالأئمة الأربعة يتفقون على جواز هذه المعاملة.
وعند الحنفية والمالكية الكراهة إذا كان المتورق محتاجا للثمن.

الأدلة على جوازها كثيرة جدا من أهمها:

1- أن الأصل في المعاملات الحل والله عز وجل قال: ﴿يأيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه﴾ قالوا: والتورق نوع من البيع والمداينة الداخلة في عموم الآية.

2- وهو أقواها: قالوا: إن التجار يقصدون من معاملاتهم الحصول على النقد بنقود أقل ويكون المبيع – السلعة - هو الواسطة ولم يقل أحد بتحريم هذا البيع.

فمثلا: التاجر فتح البقالة بخمسين ألفاً ويقصد من ذلك أن يحصل على ستين ألفاً، فكذلك أيضا المتورق مثله يشتري سلعة بثمن مؤجل وقصد منها أن يحصل نقد، فيبيعها بأقل من ثمنها نقدا ويتوسع بثمنها، فقالوا: هذا مثل هذا.

والذين لا يسلمون بمثل هذه المعاملة يقولون: فرق بين التاجر والمتورق فالتاجر يبيع لكي يربح، وأما المتورق فإنه يبيع لكي يحصل على النقد حتى لو خسر ففرق بين الأمرين.

القول الثاني:
هناك من قيد هذه المعاملة بالحاجة فقال: إذا كان الإنسان محتاجا فلا بأس، كأن يحتاج إلى زواج أو أن يشتري بيتا أو يسدد دينا وقد أرهقه الغرماء.
أما إن كان يسلك هذه المعاملة لكي يتزيد من أمور الدنيا أو الكماليات أو في التجارة فإن هذا غير جائز.
وشرط الحاجة هذا اشترطه الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله.

القول الثالث:
تحريم عملية التورق وهو رواية عن الإمام أحمد رحمه الله واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم وعمر بن عبد العزيز.

واستدلوا على ذلك بأدلة كثيرة منها:

1- قالوا: إن الله حرم أخذ دراهم بدراهم أكثر منها إلى أجل لما في ذلك من ضرر المحتاج، وهو ربا النسيئة الذي حرمه الشارع وأجمع عليه العلماء وهذا المعنى موجود في هذه الصورة، فهذه الصورة خلاصتها محتاج يحتاج إلى دراهم فاشترى دراهم بدراهم إلى أجل.

2- قاسوا هذه الصورة على بيع العينة، فالعينة إذا اشترى السلعة بثمن مؤجل ثم باعها على من اشتراها منه بأقل من ثمنها نقدا، العينة محرمة، وقالوا: الصورة واحدة، حصل دراهم بدراهم بينهما سلعة وأما التفريق بأن الذي اشترى في العينة هو البائع وأن الذي اشترى في التورق طرف ثالث كما يفرق الجمهور قالوا: هذا لا أثر له.

وقد قرأت لمجموعة من الاقتصاديين يقولون: إن نتيجة التورق هي نتيجة الربا ولا فرق.

ولهذا حكم شيخ الإسلام ابن تيمية على هذه المعاملة فقال: «المعنى الذي لأجله حرم الربا موجود فيها بعينه - يعني في مسألة التورق - مع زيادة الكلفة بشراء السلعة والخسارة فيها، فالشريعة لا تحرم الضرر الأدنى وتبيح ما هو أعلى منه ضررا».

وقد ذكر ابن القيم عن شيخ الإسلام فقال: «روجع فيها كثيرا وأنا حاضر لكي يحلها فيأبى»
المهم؛ إن كثيرا من الاقتصاديين يرون تحريم هذه المعاملة كما هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية، لكن عمل الناس اليوم على حلها. وإذا قيل: بالحل فإنه لا بد أن يقيد بالحاجة.