دراسة وشرح وتحليل قصيدة المواكب لجبران خليل جبران.. الخير. الدين. العدل. العلم. السعادة. وصف الغابة - الطبيعة. وصف لبنان



تحليل قصيدة المواكب لجبران خليل جبران:

هذه القصيدة رومانسية يتوجه فيها الشاعر الى الطبيعة لانه فيها العالم المثالي والسعادة المطلقة.
أما كلمة المواكب فهي تعني معتقدات الناس ومقاييسهم الخاطئة (الناس يمشون وراء الانسان القوي وهذا هو الموكب باللغة العربية).
تتألف القصيدة من 6 مقطوعات، المقطوعات الخمس الاولى متشابهة في بنائها اما السادسة فتختلف كليا.

تركيب مبنى المقطوعات الخمسة الأولى:

أما مبنى المقطوعات الخمسة الأولى فيتألف من التركيب التالي:
1- الموضوع كما هو في الواقع او كما يتصوره الكاتب (صوت الواقع).
2- الموضوع حسب رأي الكاتب او الوضع المثالي لهذا الموضوع (صوت الغاب).
3- صوت الناي وهو التأكيد لصوت الغاب (اي لرأي الكاتب).

المقطوعة الاولى (الخير):

يرى الشاعر أن الناس لا يصنعون الخير إلا إذا أجبروا على ذلك.
أما الشر فهو متأصل بهم حتى ان الشاعر يبالغ ويقول يبقى الشر بهم حتى بعد موتهم.

أما الناس فهم ضعفاء أمام الدهر واصابع الدهر تلعب بهذه الالات (البشر) لكن سرعان ما تنكسر هذه الالات (وكأن البشر العاب طفل يلهو بها لكن حين يغضب يكسرها) وما دام الحال على هذا النحو لذلك يجب الا نفتخر بعلم هذا أو مجد ذاك فالناس عبارة عن قطعان تتبع للراعي أو القوي ومن لا يتبع هذا القوي يزول او يضيع.

أما في الغاب حيث الوضع الامثل فلا نجد راعيا او قطيعا ولا قائدا ولا مقودا والحياة ربيع مستمر بعد زوال الشتاء وكأن الربيع لا يخضع للشتاء القوي.

أما الناس فهم عبيد يتبعون القوي, اما صوت الناي فهو يؤكد فكرة صوت الغاب ورأي الكاتب، فالغناء هو الذي يحفظ العقول وهو الخالد بعد زوال الثنائية (العزيز والحقير, الصغير والكبير).

المقطوعة الثانية (الدين):

يرى الكاتب ان الدين كالحقل الذي لا يهتم به الا اصحاب المصالح فالعبادة والدين ناجمة اما عن طمع في الجنة واما خوفا من النار.

ويمكن أن نضيف ان هناك من يتمسك بالدين لاهداف شخصية في هذه الحياة ليتظاهر بلباس الورع والتقوى او لحاجة في نفس يعقوب فالقوم لولا العقاب ما عبدوا الله وكذلك لولا الثواب فاذا كان الناس مع وجود العقاب والثواب يبتعدون عن الدين فكيف اذا انعدما؟!

فالدين عند الناس نوع من التجارة, اذا واظبوا عليه ربحوا (الجنة) واذا اهملوا هذه التجارة خسروا (النار)، أما في الغاب فلا نجد هذه الثنائية (الدين والكفر).
فالغاب يحتصن الجميع فهو يقبل صوت البلبل كما يقبل باقي الاصوات وهنا اشارة الى تكفير بعض الفئات (الاديان) لفئاتٍ أو اديان اخرى والدين عند الناس مثل الظل سرعان ما يزول لكن الشاعر يتراجع فينكر وجود اديان بعد المسيح والنبي محمد صلى الله عليه وسلم اي كأنه يعترف بهاتين الديانتين.
اما صوت الناي فهو الصلاة والدين الحقيقي وهو خالد بعد زوال الحياة.

المقطوعة الثالثة (العدل):

يسخر الشاعر من قيم العد عند الانسان فالعدل عند الناس يبكي الجن لانه ليس بعدل والشاعر يبالغ في قول هذا كما يبالغ في ضحك الموت على العدل ويضرب لنا الامثال.

فالجاني اذا كان صغيرا يعاقب اما اذا كان كبيرا فان المجد والغنى له فمن يسرق زهرة يُذم ويحتقر لكن الذي يسرق الحقل كاملا يعتبر بطلا (اذا كان الجرم صغيرا فالعقاب التحقير واذا كان الجرم كبيرا فالمجد والفخر) وقاتل الجسد يُقتل اما قاتل الروح لا يُعاقب ولا يُسأل اما في الغاب فلا يوجد عدل ولا ثواب ولا عقاب.

فالسرو لا يعترض على ظل اصفصاف اذا اقترب منه اما عدل الناس فهو كالثلج سرعان ما يذوب امام الشمس (الحقيقة) والناس يقحمون الدين في كل شيء ويعتبرون كل شيء لا يعجبهم بدعة ضد الكتاب المقدس اما الغناء فهو عدل القلوب وصوت الناي سيبقى بعد زوال الثواب والعقاب.

المقطوعة الرابعة (العلم):

ان العلم طريق نعرف اوله لكن النهاية مجهولة وهي نهاية الدهر والقدر لذلك الانسان العاقل والمتعلم هو الذي يعيش بالاحلام (ينظر دائمًا الى المستقبل) لدرجة ان الاخرين يسخرون منه لانهم نائمون لذلك اذا رأيت انسانا حالما منفردا فاعلم انه كالنبي الذي يلبس لباس المستقبل وهو محجوب عن الناس لانهم يعيشون في الماضي وهو غريب عن الناس سواء لامه الناس أو وجدوا له الغدر وهو شديد وان اظهر اللين وهو بعيد سواء اقتربوا منه الناس او ابتعدوا, اما في الغاب فلا وجود لثنائية العلم والجهل فانحناء الاغصان ليس احتراما لعالم فعلوم الناس كالضباب في الحقول تزول عن ظهور الشمس (الحقيقة) اما الغناء فهو افضل العلوم لان انين الناي سيبقى بعد زوال الكون.

المقطوعة الخامسة (السعادة):

في هذه المقطوعة يتحدث الشاعر ان السعادة مجرد شبح فالانسان يرى سعادته في تحديد امر معين لكن حين يحقق هذا الامر يملّه ويبحث عن غيره ويضرب لنا مثلا النهر يكون مسرعا نحو السهل لكن حين يصل الى السهل يصبح بطيئا ويتعكر وهكذا الانسان بعد وصوله الى مراده يمل هذا الشيء ويتعكر لذلك سعادة الناس فقط في الشوق والامل في الوصول الى الشيء الصعب لكن بعد الوصول تزول السعادة لذلك الانسان السعيد العاقل هو الذي يبتعد ولا يطلب تحقيق اي امل صعب وفي موقفه هذا يجب ان تكون لنا عبرة اما في الغاب فلا نجد ثنائية الطلب والملل لان الغاب هو المطلق ولا يمكن للكل ان يتمنى الجزء فالغاب هو الامل النهائي ولا معنى لأي امل صغير بعد الوصول الى الغابة وعلّة الناس هي املهم اما الغناء فهو السعادة الحقيقية وهو الذي يبقى ولا يُمل.

المقطوعة السادسة (وصف الغابة - الطبيعة "وصف لبنان):

تختلف هذه المقطوعة عن باقي المقطوعات من حيث المبنى وكذلك القافية والشاعر يصف طبيعة لبنان الجميلة ويتخيل نفسه بين احضانها او ربما هي ذكريات الصبا ويرى الشاعر انه لا فائدة من الكلام لان الفائدة الحقيقية هي بالفعل لذلك على الانسان ان يترك حياة القصور وان يتوجه الى الطبيعة الجميلة وهي حياة الغاب حيث التمتع بالسواقي والتسلق على الصخور والعيش بين عطور الازهار والنور الذي يبعث الدفء في الانسان وان يسكر الانسان بمنظر بذوغ الفجر وطلوع الشمس وفي ساعات العصر يتمتع بعناقيد العنب التي تشبه الثريات الذهبية وهي شراب لظمآن وطعام للجائع وطعمها كالعسل ومن شاء صنع منها الخمر.

ثم يتحدث عن الاستمتاع في الطبيعة حيث الاستلقاء على العشب الاخضر تحت قبة السماء وبالذات في ساعات الليل ومنظر السماء الجميل هذا الامر يجعلنا ننسى المستقبل وننسى الماضي ونتمتع بسكون الليل العميق كأنه امواج تُعزف مع لحن دقات القلب.

ثم يعترف الشاعر بعجز اللسان لذلك يطلب الغناء لانه العلاج والشفاء فالناس سطور كتبت بالماء وسرعان ما يزولون وكأنهم لم يكونوا لذلك لا فائدة من خصام الناس وحيلهم ازاء بعضهم البعض لانها كأنفاق الخلد وخيوط العنكبوت اي ضعيفة جدا.

وما دام الانسان عاجزا فلا بد ان يموت وهو يموت ببطئ وفي النهاية يعلن الشاعر استسلامه امام القدر فهو لا يستطيع ان يعيش في هذا الغاب المنشود لان الحياة بتعقيداتها لها نظم صارمة وللشاعر مصالح لهذه الحياة لذلك كلما لجأ الى الطبيعة امتنعت عنه وهذه هي الطريق التي فرضها القدر عليه ولا يمكن تغيرها والناس لا يحققون ما يريدون بسبب عجزهم.