دراسة وتحليل قصيدة الباب تقرعه الرياح لبدر شاكر السياب



دراسة وشرح وتحليل قصيدة الباب تقرعه الرياح لبدر شاكر السياب:

البَابُ مَا قَرَعَتْهُ غَيْرُ الرِّيحِ في اللَّيْلِ العَمِيقْ
البَابُ مَا قَرَعَتْهُ كَفُّكِ.
أَيْنَ كَفُّكِ وَالطَّرِيقْ
نَاءٍ؟ بِحَارٌ  بَيْنَنَا، مُدُنٌ، صَحَارَى مِنْ ظَلاَمْ
الرِّيحُ تَحْمِلُ لِي صَدَى القُبْلاَتِ مِنْهَا كَالْحَرِيقْ
مِنْ نَخْلَةٍ يَعْدُو إِلَى أُخْرَى وَيَزْهُو في الغَمَامْ
البَابُ مَا قَرَعَتْهُ غَيْرُ الرِّيحْ...
آهِ لَعَلَّ رُوحَاً في الرِّيَاحْ
هَامَتْ تَمُرُّ عَلَى الْمَرَافِيءِ أَوْ مَحَطَّاتِ القِطَارْ
لِتُسَائِلَ الغُرَبَاءَ عَنِّي، عَن غَرِيبٍ أَمْسِ رَاحْ
يَمْشِي عَلَى قَدَمَيْنِ، وَهْوَ اليَوْمَ يَزْحَفُ في انْكِسَارْ.
هِيَ رُوحُ أُمِّي هَزَّهَا الحُبُّ العَمِيقْ،
حُبُّ الأُمُومَةِ فَهْيَ تَبْكِي:
"آهِ يَا وَلَدِي البَعِيدَ عَنِ الدِّيَارْ!
وَيْلاَهُ ! كَيْفَ تَعُودُ وَحْدَكَ لاَ دَلِيلَ وَلاَ رَفِيقْ"
أُمَّاهُ ... لَيْتَكِ لَمْ تَغِيبِي خَلْفَ سُورٍ مِنْ حِجَارْ
لاَ بَابَ فِيهِ لِكَي أَدُقَّ وَلاَ نَوَافِذَ في الجِدَارْ!
كَيْفَ انْطَلَقْتِ عَلَى طَرِيقٍ لاَ يَعُودُ السَّائِرُونْ
مِنْ ظُلْمَةٍ صَفْرَاءَ فِيهِ كَأَنَّهَا غَسَق ُ البِحَارْ؟
كَيْفَ انْطَلَقْتِ بِلاَ وَدَاعٍ فَالصِّغَارُ يُوَلْوِلُونْ،
يَتَرَاكَضُونَ عَلَى الطَّرِيقِ وَيَفْزَعُونَ فَيَرْجِعُونْ
وَيُسَائِلُونَ اللَّيْلَ عَنْكِ وَهُمْ لِعَوْدِكِ في انْتِظَارْ؟
البَابُ تَقْرَعُهُ الرِّيَاحُ لَعَلَّ رُوحَاً مِنْك ِ زَارْ
هَذَا الغَرِيبُ!! هُوَ ابْنُكِ السَّهْرَانُ يُحْرِقُهُ الحَنِينْ
أُمَّاهُ لَيْتَكِ تَرْجِعِينْ
شَبَحَاً. وَكَيْفَ أَخَافُ مِنْهُ وَمَا أَمَّحَتْ رَغْمَ السِّنِينْ
قَسَمَاتُ وَجْهِكِ مِنْ خَيَالِي؟
أَيْنَ أَنْتِ؟ أَتَسْمَعِينْ
صَرَخَاتِ قَلْبِي وَهْوَ يَذْبَحُهُ الحَنِينُ إِلَى العِرَاقْ؟
البَابُ تَقْرَعُهُ الرِّيَاحُ تَهُبُّ مِنْ أَبَدِ الفِرَاقْ

تحليل القصيدة:

تعالج القصيدة موضوع العودة للوطن بدر شاكر السياب، خاصة بعد أن فقد أمّه، وهو في سن السادسة.
ويهدف الشاعر أيضا إلى الموت في أحضان الوطن خيرا من الموت في الغربة، ولعله يقصد تحريك العاطفة الوطنية.

- المقطع الأول:

يذكر الشاعر أنه يتأمل في كل لحظة أن يقرع كف أمّه الباب لتوّدعه الوداع الاخير، لكن المسافة بعيدة جداً بين العراق ولندن، وأن الرياح هي الواسطة الهامّة عند الشاعر، والتي بدورها تنقل له العلاقة الحارّة (التفاؤل).

- المقطع الثاني:

لن تحضر الام لزيارته، بل الريح  هي التي حضرت وقرعت الباب.
فالشاعر يؤمن ببقاء الروح فهي ليست كالجسد الذي يبلى، فلعلّ الروح بإمكانها الوصول لمكان الشاعر والسؤال عنه.
في النهاية تصل روح الأم التي ماتت منذ زمن بعيد، ويتم اللقاء بينها وبين الابن الكسيح، حيث يبرز الحب المتبادل بين الابن والأم، حيث يبدأ الحوار الدافئ الصادر عن الأم حيث تقول "لماذا يا ولدي ابتعدت عن وطنك"؟ فيرّد عليها: وكيف أعود وقد اندثرت في قبر لا باب له يقرع ولا نافذة، فقد حتّم القدر أن تموتي.
هنا نلاحظ أن الشاعر يعاتب القدر في خطفه لأمه وهو في سن الطفولة.

- المقطع الثالث:

يذكر الشاعر المنظر المثير وهو في سن الصغر، وهو موت والدته ثم وداع كل الصغار لها قبل الكبار لحبهم لها، وعندما عادوا من دفنها أخذوا يسألون الليل عن عودتها.
هنا يلجأ الشاعر إلى الريح وهي الواسطة بينه وبين أمّه، وآماله في الرجوع للعراق والموت فيه.