دراسة وشرح وتحليل قصيدة وصف جبل لابن خفاجة الشاعر البُستاني صنوبري الأندلس



قصيدة وصف جبل لابن خفاجة:

1- وأرعنَ طمّاحِ الذُؤابةِ بَاذخٍ -- يُطاولُ أعنانَ السماءِ بغاربِ
2- يَسدُّ مهبَّ الريحِ من كلّ وجهةٍ -- ويزحمُ ليلاً شُهبهُ بالمناكب ِ
3- وقُورٍ على ظَهرِ الفلاةِ كأنهُ -- طوالَ الليالي مُفكِرٌ بالعواقِبِ
4- يلُوثُ عليهِ الغيمُ سُودَ عمائمٍ -- لها منْ وميضِ البرقِ حُمرُ ذوائبِ
5- أصختُ إليهِ وهوَ أخرسُ صَامتٌ -- فحدثِني ليلَ السُرَى بالعَجائبِ

الشاعر:

أبو إسحاق إبراهيم بن خفاجة، ولد في (شَقْر) وهي مدينة منعزلة في شرقي الأندلس، عاش حياة هادئة، منقطع عن اللهو، ولم يتولَ عملاً من الأعمال، وإنما فرغ نفسه للشعر.
وقد اشتهر بوصف الطبيعة ولأجل هذا سمي "الشاعر البُستاني“.
ولُقب أيضاً بـ "صنوبري الأندلس" ليقابل صنوبري المشرق الذي شابهه في شعره واهتماماته.

المناسبة:

وصف جبل.

عاطفة الشاعر: 

عاطفة صادقة صدرت عن تجربة نفسية عاناها الشاعر.

الصور الجمالية:

  • في البيت رقم (1) (2) (3): أنسنة/ أرعن - طماح - باذخ - غارب- المناكب - وقور - مفكر.
  • في البيت رقم (4): طباق/ سودَ عمائمٍ × حمرُ ذوائبِ.
  • في البيت رقم (5): أنسنة/ أخرس صامتٌ - فحدثني (الحوار).
في كل الأبيات الخمسة: فقد بلغ الشاعر الذروة في الخيال الواسع.

في البيت:

فما كان إلا أن طوتهم يد الردى -- وطارت بهم ريحُ النوى والنوائبِ
فحتى متى أبقى ويظعن صاحب -- أودع منه راجلا غير آيـــب
وحتى متى أرعى الكواكبَ ساهرًا -- فمن طالعٍ أُخرى الليالي وغرابِ
  • جناس: النوى والنوائبِ، فحتى متى
  • طباق: أبقى ويظعن. طالعٍ × غاربِ.

معاني الكلمات:

  • أرعن: مرتفع.
  • باذخ: عال.
  • طماح الذؤابة: شديد علو القمة.
  • الغارب: الكاهل.
  • وقور: من الوقار وهو الرزانة.
  • الفلاة: الصحراء الواسعة
  • يلوث: يلف.
  • وميض البرق: إشعاعه.
  • ذوائب: أطراف الشعر من مقدمة الرأس
  • أصخت: استمعت.
  • السرى: السير ليلاً.

التعليق:

فهذه صورة الجبل الذي يمثل الطموح والارتفاع والاعتراض والوقار الصامت الذي يشبه إطراق المتأمل، ثم يأخذ هذا الصامت في سرد ما مرّ به من مشاهد، فهو شخص آخر إزاء الشاعر يحدثه..

نرى أن إنسانية الجبل تتزايد تدريجاً في القصيدة، فإذا هو يمثل صورة أخرى من وقفة الشاعر نفسه، أو هو الشاعر نفسه، وهو لا يعبر عن طول الصمود ولذة الخلود، وإنما يعبر عن استثقاله للحياة، ووحدته بعد ذهاب إخوانه، وكان بذلك يعبر عن(قيمة الموت) أي يهون وقعه على نفس الشاعر التي تفرق وتهلع من الموت، وتحاول الهرب من شبحه المخيف، وارتاح الشاعر حين بكى، ووجد في (أخيه)- أو صنوه - الجبل عزاءً وودعه وهو أقوى نفساً على مواجهة مصيره.

قصيدة وصف جبل كاملة:

بَعَيشِكَ هَل تَدري أَهوجُ الجَنائِبِ
تَخُبُّ بِرَحلي أَم ظُهورُ النَجائِبِ
فَما لُحتُ في أولى المَشارِقِ كَوكَباً
فَأَشرَقتُ حَتّى جِئتُ أُخرى المَغارِبِ
وَحيداً تَهاداني الفَيافي فَأَجتَلي
وَجوهَ المَنايا في قِناعِ الغَياهِبِ
وَلا جارَ إِلّا مِن حُسامٍ مُصَمَّمٍ
وَلا دارَ إِلّا في قُتودِ الرَكائِبِ
وَلا أُنسَ إِلّا أَن أُضاحِكَ ساعَةً
ثُغورَ الأَماني في وُجوهِ المَطالِبِ
وَلَيلٍ إِذا ماقُلتُ قَد بادَ فَاِنقَضى
تَكَشَّفَ عَن وَعدٍ مِنَ الظَنِّ كاذِبِ
سَحَبتُ الدَياجي فيهِ سودَ ذَوائِبٍ
لِأَعتَنِقَ الآمالَ بيضَ تَرائِبِ
فَمَزَّقتُ جَيبَ اللَيلِ عَن شَخصِ أَطلَسٍ
تَطَلَّعَ وَضّاحَ المَضاحِكِ قاطِبِ
رَأَيتُ بِهِ قِطعاً مِنَ الفَجرِ أَغبَشاً
تَأَمَّلَ عَن نَجمٍ تَوَقَّدَ ثاقِبِ
وَأَرعَنَ طَمّاحِ الذُؤابَةِ باذِخٍ
يُطاوِلُ أَعنانَ السَماءِ بِغارِبِ
يَسُدُّ مَهَبَّ الريحِ عَن كُلِّ وُجهَةٍ
وَيَزحَمُ لَيلاً شُهبَهُ بِالمَناكِبِ
وَقورٍ عَلى ظَهرِ الفَلاةِ كَأَنّهُ
طِوالَ اللَيالي مُفَكِّرٌ في العَواقِبِ
يَلوثُ عَلَيهِ الغَيمُ سودَ عَمائِمٍ
لَها مِن وَميضِ البَرقِ حُمرُ ذَوائِبِ
أَصَختُ إِلَيهِ وَهوَ أَخرَسُ صامِتٌ
فَحَدَّثَني لَيلُ السُرى بِالعَجائِبِ
وَقالَ أَلا كَم كُنتُ مَلجَأَ قاتِلٍ
وَمَوطِنَ أَوّاهٍ تَبَتَّلَ تائِبِ
وَكَم مَرَّ بي مِن مُدلِجٍ وَمُؤَوِّبٍ
وَقالَ بِظِلّي مِن مَطِيٍّ وَراكِبِ
وَلاطَمَ مِن نُكبِ الرِياحِ مَعاطِفي
وَزاحَمَ مِن خُضرِ البِحارِ غَوارِبي
فَما كانَ إِلّا أَن طَوَتهُم يَدُ الرَدى
وَطارَت بِهِم ريحُ النَوى وَالنَوائِبِ
فَما خَفقُ أَيكي غَيرَ رَجفَةِ أَضلُعٍ
وَلا نَوحُ وُرقي غَيرَ صَرخَةِ نادِبِ
وَما غَيَّضَ السُلوانَ دَمعي وَإِنَّما
نَزَفتُ دُموعي في فِراقِ الصَواحِبِ
فَحَتّى مَتى أَبقى وَيَظعَنُ صاحِبٌ
أُوَدِّعُ مِنهُ راحِلاً غَيرَ آيِبِ
وَحَتّى مَتى أَرعى الكَواكِبَ ساهِراً
فَمِن طالِعٍ أُخرى اللَيالي وَغارِبِ
فَرُحماكَ يا مَولايَ دِعوَةَ ضارِعٍ
يَمُدُّ إِلى نُعماكَ راحَةَ راغِبِ
فَأَسمَعَني مِن وَعظِهِ كُلَّ عِبرَةٍ
يُتَرجِمُها عَنهُ لِسانُ التَجارِبِ
فَسَلّى بِما أَبكى وَسَرّى بِما شَجا
وَكانَ عَلى عَهدِ السُرى خَيرَ صاحِبِ
وَقُلتُ وَقَد نَكَّبتُ عَنهُ لِطِيَّةٍ
سَلامٌ فَإِنّا مِن مُقيمٍ وَذاهِبِ