الهجاء الشخصي.. الإيجاع والتشهير بالمهجو بين أهل عصره مع التورط في الفحش والسباب والهبوط إلى التبذل في المعاني والألفاظ



الهجاء الشخصي موجه إلى شخص معين بسبب أقوال، أو مواقف صدرت عنه، وهذا النوع من الهجاء لا يبالي أن يخالف القيم الأخلاقية، ولا أن يتورط في الفحش والسباب، ويهبط إلى التبذل في المعاني والألفاظ، لأنه يقصد إلى الإيجاع والتشهير بالمهجو بين أهل عصره.

فها هو ساعدة بن جؤية يهجو امرأة من بكر بصفات، منها أنها هوجاء غير رزينة يوحي مرآها باليبس، غير منصرفة إلى العناية بأولادها، فهم مغبرو الوجوه، مفتقرون إلى التهذيب.

ثم أنها إذا جلست تبدو كأنها ذئب قد اقعى، وهي شرهة، تستأثر بالطعام دون عيالها، وقال:
فيم نسـاء النـاس مـن وترية
سفنجـة  كأنهـا قـوس تـألب
لها إلدة سفع الوجوه كأنهم
نصال شراها القيـن لما  تركب
إذا جلست في الدار يوما تأبضت
تأبض ذئب التلعـة المتصوب
شروب لماء اللحم في كل صيفة
وإن لم تجد من ينزل الدر تحلب

أما حميد بن ثور الهلالي فما الذي نفره من تلك المرأة التي نزل عليها ضيفا؟! لقد وجدها صخابة سيئة الخلق، حمقاء غير حيية، متأهبة دائما للعمل، عقيما مشوهة الخلقة، في رجلها ويديها زوائد لكثرة عملها. فضلا عن أنه رآها عجفاء، بشعة مرأى الصدر، إنه صدر قاس كالصخرة، وهي بعد هذا بخيلة لا تعرف إلى الكرم سبيلا، فكيف للمرء أن يعجب بمثل هذه المرأة القبيحة؟
جلبانـة ورهاء تخصي حمارها
بفي من بغى خيرا إليها الجلامد
إزاء معـاش لا يـزال نطاقها
شديـدا وفيها سورة وهي  قاعد
مداخلة الأرساغ في كل إصبع
من الـرجل منها واليدين زوائد
كأن مكان العقد منهـا  إذا بدا
صفا من حـزيز سهلته الموارد
تتابع أعوام عليهـا  هزلنـها
وأقبل عام ينـعش الناس واحد

ويحاول أبو الخشخاش، صاحب الشاعر، حمل تلك المرأة على أن تلطف بهما، وتنقذهما من الجوع، وزمهرير الليل، لكنها تصخب عليه، وتنظر إليه شزرا بعيين زرقاوين قبيحتين، لا تعرفان كحلا، وتستقران في محجرين يتصفان بالقساوة والبروز:
إذا قال: مهلا أسجحي حملقت له
بزرقاء لم تدخل عليها المـراود
كـأن حجاجـي رأسها في مثلم
من الصخر جون خلقته الموارد

ويتناول  الأسود بن يعفر النهشلي امرأة أخرى، يرى في شكلها خروجا كاملا على الجمال، إنها تصدم حسه الجمالي بورك أعجف ضامر، وتزعجه بمرأى ساقيها الطويلتين النحيفتين. وليت قبحها انتهى عند هذا الحد! فالشاعر يزداد اشمئزازاً من أسنانها البارزة ،ومن فمها دائم التكشير، إنها في النهاية ليست امرأة، إنها خليط من العنز، والنعام، والخنزير، والأرنب، إنها صورة كاريكاتورية ساخرة، قال:
لها وركا عنز وساقا نعامة
وأسنان خنزير ومكشر أرنب

ولنقف أخيرا عند النابغة الجعدي؛ إنه يصف نساء وصف المشمئز. فما هي الجوانب القبيحة في أولئك النسوة؟ يقول:
ولم ير في من وجن الجلد نسوة
أسب لأضياف وأقبـح منظرا
وأعظـم أقداما وأصغر أسؤقا
وأعظم افواها وأرحب منخرا
وأعظم بطنا تحت درع تخاله
إذا حشي التبي زقـا مقـيرا
وأبغى على زوج لئيم كلاهما
إذا التمر في أعفاجهن تقرقرا

فكيف تبدو لنا هؤلاء النسوة؟
إنهن يجمعن قبح المظهر إلى قبح المخبر. أجل.. فأقدامهن كبيرة، وسيقانهن قصيرة، وأفواههن واسعة، ومناخرهن تتجاوز المعقول في السعة، أما بطونهن فمنتفخة، كأنها زقاق مطلية بالقار محشوة بأردأ أنواع التمر، ثم انهن يشبهن الإماء.
وكيف لا؟!

فهن يدققن الجلود بالمواجن لتلين، وهن بعد وقحات، يستقبلن الأضياف بالشتائم والطرد، ويتلقين أزواجهن بالشراسة وسوء الأدب، والمهم أنهن لئيمات زففن إلى لئام، فكيف للمرء أن يرتاح إليهن؟!