اكتشاف أسرار المحيط الهادئ:
تحت أمواج المحيط الهادئ الشاسعة، تكمن واحدة من أعظم العجائب الجيولوجية والبيئية على كوكبنا: سلسلة جبال هاواي-الإمبراطور البحرية. هذه السلسلة ليست مجرد خط من الجبال الغارقة، بل هي قصة ملحمية تُروى عبر ملايين السنين من النشاط البركاني وحركة الصفائح التكتونية، والتي شكلت أرخبيلاً فريداً من الجزر البركانية، وتوجت بكنز طبيعي لا يُقدر بثمن يتمثل في جزر هاواي الشمالية الغربية.
التكوين والجيولوجيا (نظرية البقعة الساخنة):
تُعد سلسلة جبال هاواي-الإمبراطور البحرية (Hawaiian-Emperor Seamount Chain) مثالاً كلاسيكياً على كيفية تشكل الجزر والجبال البحرية (Seamounts) بفعل "البقعة الساخنة" (Hotspot) الثابتة تحت صفيحة تكتونية متحركة.
- البقعة الساخنة: هي منطقة من وشاح الأرض (Mantle) ترتفع منها صهارة (Magma) شديدة الحرارة بشكل مستمر. هذه البقعة الساخنة تُعتبر ثابتة نسبياً في مكانها داخل الوشاح.
- حركة الصفيحة التكتونية: تقع سلسلة جبال هاواي-الإمبراطور البحرية على صفيحة المحيط الهادئ (Pacific Plate)، وهي صفيحة تكتونية ضخمة تتحرك ببطء باتجاه الشمال الغربي.
- التشكل: عندما تمر صفيحة المحيط الهادئ فوق هذه البقعة الساخنة، تخترق الصهارة القشرة المحيطية وتندفع إلى السطح، مكونة براكين بحرية. مع استمرار حركة الصفيحة، تبتعد البراكين المتكونة حديثاً عن البقعة الساخنة، وتتوقف عن النشاط البركاني تدريجياً.
- التقدم في العمر والتعرية: تصبح هذه البراكين "ميتة" وتتعرض للتعرية بفعل الأمواج والتيارات البحرية، وتبدأ في الغرق ببطء بسبب وزنها وترسبات المحيط. تتحول الجزر البركانية القديمة بمرور الزمن إلى جزر مرجانية (Atolls) ثم إلى جبال بحرية غارقة (Seamounts أو Guyots) عندما تغرق تماماً تحت مستوى سطح البحر.
- الانحناء في السلسلة: تتميز السلسلة بانحناء واضح. يُعتقد أن هذا الانحناء حدث نتيجة لتغير في اتجاه حركة صفيحة المحيط الهادئ قبل حوالي 47 مليون سنة.
الموقع والامتداد:
- الطول: تمتد سلسلة جبال هاواي-الإمبراطور البحرية لمسافة تزيد عن 5800 كيلومتر (3600 ميل) عبر شمال المحيط الهادئ.
- المكونات: تتكون من أكثر من 130 بركاناً كبيراً وجزيرة مرجانية وجزيرة صغيرة وجبال بحرية.
- الشباب إلى القدم: تبدأ السلسلة بالجزر البركانية النشطة والحديثة في الجنوب الشرقي (مثل جزيرة هاواي الكبرى، وهي الأقرب إلى البقعة الساخنة)، وتزداد قدماً وتآكلاً وغرقاً كلما اتجهنا نحو الشمال الغربي. أقرب جزء للبقعة الساخنة (جزيرة هاواي) عمره حوالي 400 ألف إلى 5.1 مليون سنة، بينما أقدم الجبال البحرية في السلسلة (مثل جبل ديترويت البحري) يبلغ عمره حوالي 81 مليون سنة.
جزر هاواي الشمالية الغربية (NWHI):
- الموقع: هي الجزء الشمالي الغربي من أرخبيل هاواي، وتمتد لأكثر من 2000 كيلومتر (1200 ميل) من جزيرة نيهوا (Nihoa) شمال غرب جزر هاواي الرئيسية، وصولاً إلى جزيرة كوري (Kure Atoll) أقصى الشمال الغربي.
- الطبيعة: على عكس الجزر الرئيسية المرتفعة، تتكون جزر هاواي الشمالية الغربية بشكل أساسي من جزر صغيرة، جزر مرجانية، وشعاب مرجانية. هذه الجزر هي بقايا الجزر البركانية القديمة التي غرقت بمرور الزمن.
- أمثلة: تشمل جزرًا مثل نيهوا، نيكر، فرقاطة شولز الفرنسية، جاردنر بيناكلز، مارو ريف، ليسان، ليسيانسكي، بيرل وهيرميس أتول، جزر ميدواي، وكوري أتول. بعض هذه الجزر هي أراضٍ صخرية صغيرة، والبعض الآخر عبارة عن جزر مرجانية حلقية.
الأهمية البيئية والحفاظ عليها:
تُعد جزر هاواي الشمالية الغربية وسلسلة جبال الإمبراطور البحرية ذات أهمية بيئية استثنائية:
- التنوع البيولوجي الفريد: تستضيف هذه المنطقة نظامًا بيئياً بحرياً فريداً، يضم آلاف الأنواع من الأسماك والكائنات اللافقارية البحرية والسلاحف البحرية والطيور البحرية والثدييات البحرية، وكثير منها لا يوجد في أي مكان آخر على وجه الأرض (متوطنة).
- الموائل الحرجة: توفر هذه الجزر والشعاب والجبال البحرية موائل حيوية للتغذية والنمو والتكاثر للعديد من الأنواع. على سبيل المثال، تعود أكثر من 90% من السلاحف البحرية الخضراء في هاواي للتعشيش على شواطئ جزر هاواي الشمالية الغربية. وهي موطن لأنواع مهددة بالانقراض مثل فقمة الراهب الهاوائية وأباطروس لايسان وسلحفاة البحر الخضراء.
- الجبال البحرية ودوران المحيطات: تلعب الجبال البحرية دوراً حيوياً في إثارة تيارات المحيطات وتوزيع الحرارة والكربون. فهي تخلق اضطرابات في المياه العميقة تساعد على سحب المياه الباردة الثقيلة إلى السطح، مما يكمل دورة دوران المحيطات ويؤثر على المناخ العالمي.
- الحماية: لحماية هذا النظام البيئي الثمين، تم تصنيف جزء كبير من جزر هاواي الشمالية الغربية وما يحيط بها كـ النصب التذكاري البحري الوطني "باباهاناوموكواكيا" (Papahānaumokuākea Marine National Monument) في عام 2006. يُعد هذا النصب من أكبر المحميات البحرية في العالم، ويحظر فيه معظم الأنشطة البشرية التي قد تضر بالشعاب المرجانية والأنواع النادرة. وهو أيضاً موقع للتراث العالمي لليونسكو.
خلاصة:
باختصار، تمثل سلسلة جبال الإمبراطور البحرية وجزر هاواي الشمالية الغربية شاهداً طبيعياً مذهلاً على القوى الجيولوجية التي تشكل كوكبنا، وتوفر ملاذاً حيوياً لتنوع بيولوجي بحري فريد ومهدد بالانقراض، مما يجعل الحفاظ عليها أمراً بالغ الأهمية.
التسميات
مناطق بحرية