التنافس الاستعماري والتبشير.. لن يكون العرب ملكاً لفرنسا إلا إذا أصبحوا مسيحيين جميعاً



لما وقع التنافس بين المستعمرين وتضاربت مصالهحم؛ انعكس ذلك على الآباء المبشرين الذين كانوا في الحقيقة جنوداً مدنيين للاستعمار، فوقع بين المبشرين الفرقة، ودب بينهم ما بين الساسة من تخالف وتنافس، كما حصل بين الإرساليات التبشيرية في لبنان والتي كان كل منها يتبع دولة استعمارية معينة، ولذا أيضاً استأصلت انجلترا وفرنسا جميع المبشرين الألمان من مناطق نفوذهما، ولم تسمح انجلترا في وقت لاحق لغير مبشريها بالعمل في مناطق نفوذها إلا حين الحصول على إذن مسبق.

يقول المبشر هنري جب: "إن المبشرين استغلوا جهودهم لخدمة دولهم.

وفي المقابل فإن المستعمرين ردوا الجميل للمبشرين بأن فتحوا لهم البلاد على مصاريعها، فيقول بوجو سكرتير الحاكم الفرنسي في الجزائر مخاطباً القس سوشيه الوكيل العام لأسقف الجزائر: "إن آخر أيام الإسلام قد دنت، وفي خلال عشرين عاماً لن يكون للجزائر إله غير المسيح، ونحن إذا أمكننا الشك في أن هذه الأرض تملكها فرنسا، فلا يمكننا أن نشك على أية حال أنها قد ضاعت من الإسلام إلى الأبد.

أما العرب فلن يكونوا ملكاً لفرنسا إلا إذا أصبحوا مسيحيين جميعاً".

ولم يكتف المستعمرون بالكلام ودغدغة العواطف، بل شرعوا يصدورن المراسيم والقوانين التي تسهل عمل المبشرين، ففي عام 1900م أمر الاستعمار البريطاني لكينيا أن يكون التعليم في العاصمة ممباسا إجبارياً، وتولت البعثات التبشيرية تعليم الطلاب في ممباسا حيث افتتحوا أربعة مدارس ابتدائية، ثم أسندت السلطات لهؤلاء المتعلمين في مدارس التبشير وظائف رسمية حكومية بحجة أنهم متعلمون.

وفي عام 1930م أقيم مؤتمر كنائس في قرطاجة بمناسبة مرور 1600 سنة على موت القديس أوغسطينوس، وأجبرت تونس على قبول ذلك المؤتمر على أراضيها المستعمرة من قبل فرنسا حينذاك، دفع التونسيون من خزينتهم على مليوني فرنك فرنسي، وحين ثار المسلمون على عقد هذا المؤتمر في بلد إسلامي تولت الجيوش الاستعمارية الفتك بالشباب الثائرين، وزجت بهم في السجون.

وفي عام 1931م أصدر شوفلر مسئول فرنسا في بلاد العلويين قراراً يسهل الانتقال إلى النصرانية، فسهل الإجراءات أمام المتنصرين، وجعل ذلك يتم في جلسة لمحكمة عادية، وألغى الإجراءات المعقدة التي كانت قائمة حينذاك.

وفي الجزائر دفع القائد الفرنسي روفيجو بأجمل مساجد الجزائر ليحوله إلى كاتدرائية الجزائر ويتحدث القس سوشيه الوكيل العام لأسقف الجزائر في كتابه "رسائل مفيدة ومشوقة عن الجزائر" فيقول واصفاً الجنرال الفرنسي فاليه: "إنه يرغب أن يستتب الدين المسيحي، وأن يحترمه الجميع إنه يريد أن يضاعف من عدد الصلبان والكنائس في الجزائر.

إن مولاي - الملك - يستطيع أن يفعل ما يشاء مع رجل مثل المسيو فاليه الذي اختار أجمل مسجد في قسطنطينة ليجعل منه أجمل كنيسة في المستعمرة".