إجهاض النطفة المحرمة.. إن كان الزنا عن إكراه جاز إجهاض الجنين الناشئ عنه قبل نفخ الروح وإن كان عن رضا بين الزانيين فإنه لا يجوز



إجهاض النطفة المحرمة:
يعني: إذا كان سبب الإجهاض أخلاقيا كما لو حصل زنى وحملت المرأة بسبب هذا الزنا، فهل يجهض الجنين أو لا يجهض؟
من المعروف في وقتنا الحاضر انتشار الزنا في بلاد الكفر وفي كثير من بلاد الإسلام، وسبب انتشاره ما يوجد النوم من آلات اللهو وعرض الأفلام المسلسلات التي تدعو إلى هذه الفاحشة.
فلما انتشر الزنا في بلاد الكفر اضطرت هذه البلاد إلى القول بإباحة الإجهاض فأصدرت القرارات التي تبيح الإجهاض.
بل أصبح الإجهاض في بعض البلاد تجارة رابحة يروج لها في الصحف ويدعا إليها بالإعلانات.
وسبق أن أشرنا أنه في مدينة نيويورك الأمريكية ما يقرب من ثلاث مئة عيادة متخصصة في إجهاض الأجنة.

حكمه:
إجهاض النطفة المحرمة له حالان:

الحال الأولى: ما قبل نفخ الروح
 اختلف الفقهاء المعاصرون فيه على ثلاثة أقوال:

- القول الأول:
عدم الجواز، فليس هناك حاجة للإجهاض.

- دليلهم:
قصة الغامدية فإنها أتت النبي ص وهي حبلى من الزنا فلم يقم النبي (ص) عليها الحد حتى وضعت، ولو كان هذا الجنين يجوز إجهاضه لأقام النبي ص حد الزنا عليها، لأنه لو أقيم عليها حد الزنا ستتلف وسيتلف الجنين، وإنما أخر النبي ص إقامة الحد عليها ولدت.
مما يدل على أن هذا الحمل ولو كان قبل نفخ الروح فإن له حرمة فلا تنتهك.

- القول الثاني:

التفصيل:
فإن كان الزنا عن إكراه جاز إجهاض الجنين الناشئ عنه قبل نفخ الروح، وإن كان عن رضا بين الزانيين فإنه لا يجوز.

التعليل:
لأنه إذا كان عن إكراه فإن المرأة تكون معذورة لأن هذا الجنين سيسبب لها ضررا وأذى ، فما دام أنها معذورة جاز إجهاضه.

- القول الثالث:

الجواز مطلقا:
سواء كان الزنا عن إكراه أو عن رضا.

التعليل:
1- لأن هذه النطفة محرمة، والمحرم شرعاً كالمعدوم حسا فليس لها حرمة، وأذكر قبل سنوات أنني سألت الشيخ محمدا (يعني ابن عثيمين) رحمه الله عن إجهاض النطفة المحرمة قبل نفخ الروح، فأجاب بأنها تجهض.
2- أيضا: فإن هذه النطفة تسبب ضررا وأذى بالنسبة للمرأة وعائلتها.
3- وأيضا: نفس الجنين بعد ولادته سيلحقه شيء من الأذى والضرر لكونه ابن زنا.

الترجيح:
 الأقرب في هذه المسألة التفصيل فإن كانت المرأة أكرهت على الزنا أو كان الزنا عن رضا وتابت ورجعت إلى الله عز وجل فإنه يجوز إجهاض هذا الجنين ما دام قبل نفخ الروح؛ لأن بقاءه فيه ضرر على أمه وعلى أسرته وحتى عليه هو بعد وجوده.
والقواعد الشرعية أنه يرتكب أخف الضررين و أهون الشرين، والمشقة تجلب التيسير، مع أن هذه النطفة نطفة محرمة شرعا وما كان محرما شرعا فهو كالمعدوم حسا.
وأما إذا كان الزنا عن رضا ورغبة ولم تتب وترجع فإن الإجهاض محرم ولا يجوز.

الحال الثانية: ما كان بعد نفخ الروح:
بأن تم لهذا الجنين عشرون ومئة يوم فإن إسقاطه محرم ولا يجوز، لما في ذلك من قتل نفس معصومة، فإن هذا الجنين لما نفخت فيه الروح أصبح نفسا معصومة لا يجوز الإقدام على قتلها.
والأضرار التي تلحق بالأم أو بالجنين بعد ولادته فإنها لا تساوي ضرر قتله فإن قتله من أكبر الكبائر والله عز وجل يقول: ﴿ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما﴾ ([1]) ويقول: ﴿ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ﴾ ([2]) وتقدم حديث (لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث..).
وأيضا: فإن من مقاصد الشريعة حفظ الضروريات الخمس التي اتفقت عليها الشرائع، ومنها ما يتعلق بحفظ النفس.
فإذا كان الإجهاض بعد نفخ الروح فإنه لا يجوز ويأثم به صاحبه ويكون أتى كبيرة من كبائر الذنوب، ويأخذ حكم العمد في قتل الجنين ويترتب عليه ما ذكره العلماء رحمهم الله من إيجاب الدية والمعاقبة.

([1]) سورة النساء آية: (29)
([2]) سورة الإسراء آية: (33)