إدمان الشباب على الخمر في الجاهلية.. البراض بن قيس الكناني. عبيد بن عبد العزى السلامي. الأعشى. طرفة بن العبد



كان منْ الشباب من يُدمنُ عليها حتى تنفر منه قبيلته على نحو ما يروى عن البراض بن قيس الكناني، إذ كان سكيراً فاسقاً فخلعه قومه.

وطرفةُ أنفق أمواله على الخمر، ورأته قبيلته إنساناً موبوءاً بوباء نفسي واجتماعي، فخلعته، أسقطته من عداد فتيانها، وقال مُصّوراً هذا الموقف:
وما زال  تشرابي الخمورَ ولذّتي -- وبيعي وإنفاقـي طريفي ومُتْلَدي
إلـى أن ْ تحامتني العشيرة كلُّها -- وأفـردْتُ إفـرادَ البعيِر المعّبدِ

وظل مستمراً في هذا الاتجاه الخمريّ الماجن، فنراه يقصرُ حياته على ثلاثِ لذائذ، كانت الخمرةُ إحداهُنَّ، قال:
ولولا ثلاثٌ هُنّ منْ عيشة الفتى -- وجدّك لم أحفلْ متى قامَ عُودي
 فمنهن سبقـي العاذلاتِ بَشربةٍ -- كُمَيْتٍ متى ما تُعْلَ بالماء تُزبدِ
وكرّي إذا نادى المضافُ مُحنّباً -- كسيـد الغضا نبهَتهُ المتورّدِ
وتقصيرُ يومِ الدّجنِ والدّجنُ مُعجِبٌ -- ببهكنةٍ تحـت الخباءِ المعّمدِ

وتنتقل هذه الفلسفة لتؤثر في بعض أبناء العصر، فها هو عبيدُ بنُ عبد العزّى السّلامي يعجب بفكر طرفة، ويقصر حياته ايضاً، على ثلاث لذائذ:
وما العيشُ إلا في ثلاثٍ هي المُنى -- فَمن نـالها من بَعْدُ لا يتخوّفُ
صِحابـةُ فتيـانٍ علـى ناعجيةٍ -- مناسُمها بالأمَعز المحْل ترعُفُ
وكـأس بأيدي الساقيْيِـن روّية -- يمدان راووقيهما حين تُنـزَفُ
وربة خدر ينفح المسك جيبهـا -- تضوّع رياها به حين تصدف

ويطول بنا الحديث عن هذه الآفة، لو أردنا أن نستعرضَ نماذجَ أخرى إلا أن نظرة في المجموعات الشعرية، كالمفضليات، تُرينا مدى تغلغل هذه الآفة في حياتهم.

وفي أخبار الأعشى انه لما سمع بالرسول - صلى الله عليه وسلم - رغب في الوفود عليه بالمدينة ومديحه، وعلمت قريشٌ، فتعرّضت له تمنعه، وكان مما قاله له أبو سفيان: إنه - الرسول - ينهاك عن خلال، كلّها بكَ رافق، ولك موافق، فلما سأله عنها، أجابه: الزنا، والقمار، والخمر، فعدل الأعشى وجهته.