العرب وعبادة الأصنام:
يتناول هذا الموضوع قصة تُظهر رفض بعض العرب لعبادة الأصنام، وتوضح مدى سخف هذه العبادات في نظرهم. هذه الحادثة، التي تتكرر في التاريخ العربي قبل الإسلام، تُبرز تحولاً فكرياً لدى بعض الأفراد، حيث يميلون إلى إهانة الأصنام واحتقارها، خاصةً عندما لا تُحقق آمالهم أو تُلبّي حاجاتهم.
قصة الكناني والصنم سَعْد:
تُجسد قصة الرجل الكناني مع صنمه "سعد" هذا الرفض بشكل واضح ومباشر. كانت "سعد" صخرة طويلة تقع على ساحل جدة، وكانت قِبلةً للناس الذين يطلبون البركة منها. قصدها الرجل الكناني ومعه إبله ليتبرك بها، وهي عادة كانت شائعة آنذاك، حيث كان الناس يأتون بمواشيهم إلى الأصنام ظناً منهم أن ذلك سيجلب لهم الخير.
ولكن، عندما اقتربت إبله من الصنم، فزعت وتفرقت في كل مكان. هذا المشهد كان بمثابة لحظة تنوير بالنسبة للرجل. فبدلاً من أن يلوم نفسه أو يفسر ما حدث بطريقة دينية، أدرك أن الصنم الذي كان يعبده لا يملك القدرة على فعل أي شيء، بل على العكس، كان سبباً في تشتيت إبله.
ردة فعل الرجل الكناني:
تُعبّر ردة فعل الرجل عن صدمته وخيبة أمله. فقد غضب غضباً شديداً من الصنم، وتناول حجراً ورماه به، ثم قال بأسف وسخط: "لا بارك الله فيك إلها، أنفرتَ عليّ إبلي". هذه العبارة تكشف عن تغير جذري في نظرته؛ فبعد أن كان يرى في "سعد" إلهاً يُعبد، أصبح يراه مجرد صخرة لا تنفع ولا تضر، بل إنها تضر.
بعد أن جمع إبله التي تفرقت، أنشد بيتين من الشعر يُلخصان تجربته، ويؤكدان على سخف عبادة الأصنام:
أتيْنا إلى سعد ليجمع شملنا -- فشتّتنا سعد فلا نحن مـن سعد
وهل سعد إلاّ صخرة بتنوفة -- من الأرض لا يُدعى لغيّ ولا رشد
دلالات الحادثة:
- رفض الأصنام: تُظهر الحادثة أن الإيمان بالأصنام لم يكن راسخاً لدى جميع العرب، وأن بعضهم كان يحمل في داخله روح الرفض والتمرد على هذه العبادات.
- غياب المنطق: تُبرز القصة أن عبادة الأصنام كانت مبنية على الخرافة لا على المنطق. فالرجل الكناني أدرك أن "سعد" لا يملك القدرة على تحقيق أي شيء، وأنه مجرد صخرة.
- التحرر الفكري: تُعدّ هذه الحادثة مثالاً على التحرر الفكري من العبودية للأصنام، وتوجه العقل إلى البحث عن إله حقيقي.
هذه القصة ليست مجرد حادثة عابرة، بل هي شاهد على بداية تحرر الفكر العربي من قيود الخرافة، واستعداده لاستقبال رسالة التوحيد.