موضوع مقامات الهمذاني.. الكُدية والاستعطاء والتلطف في سؤال الناس بالنزول إلى الشوارع واكتشاف المفارقة بين المستويات والطبقات والتفنن في كسب المال



موضوع مقامات الهمذاني:

تدور مقامات "الهمذاني" في معظمها حول موضوع الكُدية أي الاستعطاء، كمعنى أول، والتلطف في سؤال الناس من خلال خطاي لغوي مثير كمعنى ثانِ.

إن هذا الموضوع - بما إنه ليس بطولياً ولا نخبوياً - يعني النزول إلى الشوارع واكتشاف المفارقة بين المستويات والطبقات.

المستعطي كونه في أسفل السلم الاجتماعي هو الأقدر على رؤية مجتمعه واكتشاف ضعفه ونفاقه.

كسب المال في مجتمع طبقي متمايز:

وهكذا فإن البطل الرئيس في مقامات "بديع الزمان" الذي اتخذ الكُدية وسيلة لكسب المال مضطر أن يدخل من فجوات العيوب التي يتميز بها المجتمع الطبقي المتمايز الذي عاش فيه "الهمذاني" نفسه.

ولهذا، فإنني أعتقد أن موضوع الكُدية كموضوع رئيس لهذه المقامات يصبح وسيلة لا هدفاً، وسيلة للكشف والغوص والتعرف والفهم، ومن ثم النقد والتوجيه وحتى السخرية -وهي ليست فكاهة كما يشير كثير من المباحث-.

طرق الكدية لكسب المال:

إلا أن هذه الوسيلة -أقصد الكُدية- استأثرت باهتمام "بديع الزمان"، فتحدث عن طرقها وعن التفنن في كسب المال، فكانت كالآتي:
1- عن طريق البراعة اللغوية، كما في المقامتين الأزاذية والأذربيجانية.
2- عن طريق الزيارة ليلاً لأن الناس أكثر كرماً في الليل، كما في المقامة الكوفية.
3- عن طريق ادعاء العمى، كما في المقامة المكفوفية.
4- عن طريق ادعاء بعض المهن، كما في المقامة القِردية.
5- أساليب مختلفة ومتنوعة، كادعاء الفقر وتبدل الحال، كما في المقامة الساسانية.

تناقضات المجتمع الذي ظهرت فيه المقامات:

وتقدم لنا مقامات "الهمذاني" صورة حية عن مجتمعها الذي نبتت فيه، فكان خير معبر عن ذلك العصر الذي اضطربت فيه الأخلاق والسلوك والدول والأفراد والجماعات.
إذ تقدم هذه المقامات صورة بانورامية لمجتمع فيه كل المتناقضات كما يلي:
1- مقاطع من حياة المجون والسكر والعربدة، كما في المقلمة الخمرية.
2- صورة لمحدثي النعمة، والانتهازيين، كما في المقامة المضيرية.
3- صورة شاملة ومرعبة لفساد القضاء والقضاة، كما في المقامة النيسابورية.