كنوز الطفولة المنسية: الألعاب الشعبية المغربية القديمة كمرآة للتراث الثقافي والتربية الاجتماعية للأجيال الماضية

كنوز الطفولة: جولة في الألعاب المغربية الشعبية

تزخر الذاكرة الشعبية المغربية بمجموعة من الألعاب التقليدية التي شكلت جزءًا لا يتجزأ من طفولة الأجيال السابقة. هذه الألعاب لا تقتصر على كونها مصدرًا للترفيه فحسب، بل هي مدارس مصغرة تعلم الأطفال العمل الجماعي، المهارات الحركية، التركيز، وحتى تقمص الأدوار الاجتماعية. وفيما يلي تفصيل لأبرز هذه الألعاب:


ألعاب الحركة والمطاردة (تنمية اللياقة البدنية والسرعة):

1. حابا أو الجري (المطاردة الانتقامية):

  • الفكرة الأساسية: هي لعبة مطاردة جماعية ديناميكية تعتمد على السرعة وخفة الحركة.
  • آلية اللعب: تبدأ اللعبة باختيار شخص ليكون "الرامي". يقوم هذا الرامي برمي قارورة بلاستيكية (أو أي جسم خفيف ومماثل) باتجاه أحد اللاعبين. بمجرد إصابة اللاعب، يصبح عليه دور المطاردة. يهرب الرامي، بينما يقوم اللاعب المصاب بملاحقته بنية "الانتقام" أو الإمساك به. يتناوب الأدوار بسرعة، مما يخلق حلقة مستمرة من المطاردة والفرار، ويشجع على بناء اللياقة البدنية.

2. الغميضة أو كاش كاش (الاختباء والبحث):

  • الفكرة الأساسية: لعبة جماعية كلاسيكية تعتمد على الاختباء والبحث.
  • آلية اللعب: تبدأ اللعبة بإجراء قرعة لتحديد اللاعب الذي سيغمض عينيه، عادةً باستخدام قطعة قماش أو شريط. يقفز هذا اللاعب إلى مكان ثابت ويقوم بالعد بينما يختبئ بقية اللاعبين. بعد الانتهاء من العد، يبدأ "المغمض" بالبحث عن المختبئين. بمجرد أن يجد أحدهم ويلمسه، يصبح دور هذا الشخص هو من يغمض عينيه في الجولة التالية، وهكذا تستمر اللعبة في دورات متجددة.

ألعاب المهارات الجسدية والتحدي (القوة والتحمل):

3. عمود الزيت (تحدي القفز والتحمل الجماعي):

  • الفكرة الأساسية: لعبة تتطلب القوة المشتركة، التوازن، والتحمل، وتعتمد على تشكيل هيكل بشري لدعم أوزان القافزين.
  • آلية اللعب: تنقسم المجموعة إلى فريقين. يقوم الفريق الأول (فريق الدعم) بالاصطفاف على شكل "عمود"، حيث يقف كل فرد خلف الآخر ويسند رأسه إلى ظهر الذي أمامه في وضعية ركوع، ملتصقين بحائط للدعم. يأتي الفريق الثاني (فريق القفز) ويبدأ أعضاؤه بالقفز الواحد تلو الآخر فوق "العمود" البشري، محاولين الهبوط في أقصى نقطة ممكنة دون التسبب في انهيار الفريق الداعم. يجب على الفريق الداعم أن يصمد بثبات حتى يتم العد إلى عشرة. في حال السقوط قبل العد، يخسر الفريق وتتبادل الأدوار.

4. الحبل والاستيك (مهارة القفز والمستويات):

  • الفكرة الأساسية: لعبة حركية خاصة بالبنات، تركز على القفز الإيقاعي والدقة في مستويات ارتفاع متغيرة.
  • آلية اللعب: تشترك فيها ثلاث بنات على الأقل. تقوم بنتان بشد شريط مطاطي أو حبل من طرفيه وتثبيته حول أجسادهن. أما البنت الثالثة، فهي القافزة. تبدأ الفتاتان برفع مستوى الحبل تدريجياً، بدءًا من كعب الرجل، ثم الكاحل، الركبة، الخصر، الكتف، وقد يصل إلى الرأس. يتعين على القافزة اجتياز جميع المراحل بنجاح عبر القفز فوق الحبل وفقاً لقواعد متفق عليها. الفوز يكون لمن تنجح في إكمال جميع المستويات دون لمس الحبل.

ألعاب الدقة والتركيز (المهارات اليدوية):

5. البيناك (كرات الزجاج):

  • الفكرة الأساسية: لعبة مهارة ودقة فردية بالكرات الزجاجية الصغيرة (المناقيش)، تتطلب تركيزًا كبيرًا وقوة في الرمي.
  • آلية اللعب: يلعبها شخصان أو أكثر. يقوم اللاعبون بتبادل الرمي بهدف إصابة كرة المنافس بكرتهم الخاصة. تتميز اللعبة بأسلوب رمي خاص يعتمد فقط على السبابة والإبهام لإطلاق الكرة بدفعة قوية ومحكمة. الهدف الآخر هو إدخال الكرة الفائزة في حفرة صغيرة مُعدَّة خصيصًا في الأرض. اللاعب الذي يصيب ويدخل الكرة بنجاح يكسب كرة منافسه.

6. الطرومبة (النحلة الدوارة):

  • الفكرة الأساسية: لعبة تقليدية تعتمد على قطعة خشبية مخروطية الشكل (النحلة أو البلبل) تتطلب مهارة في اللف والرمي للحفاظ على دورانها.
  • آلية اللعب: تتكون الطرومبة من قطعة خشبية مخروطية تنتهي برأس معدني حاد هو أساس حركة الدوران. لرميها، يقوم الطفل بلف خيط خاص بإحكام حول جسم الطرومبة بطريقة لولبية، بدءًا من الرأس المعدني صعوداً. بعد الانتهاء من اللف، يقوم برميها بقوة وسرعة بطريقة معينة، مما يجعلها تدور بسرعة كبيرة على الأرض، ويتبارى الأطفال في الحفاظ على دورانها لأطول فترة ممكنة أو تنفيذ حركات مهارية بها.

7. حجيرات (ألعاب الحصى):

  • الفكرة الأساسية: لعبة مهارة يدوية تعتمد على التناسق بين حركة اليد والعين والسرعة، تلعبها الفتيات عادةً.
  • آلية اللعب: تستخدم فيها مجموعة من الحصى/الأحجار الصغيرة (عادةً خمسة). تبدأ اللعبة بأخذ جميع الحصيات في اليد، ثم رميها في الهواء بحركة سريعة ومضبوطة، ومحاولة التقاطها مرة أخرى باليد نفسها أو باليدين قبل سقوطها على الأرض. يتم اللعب على مراحل متدرجة من الصعوبة، حيث تضاف قواعد لالتقاط الحصيات من الأرض خلال رمي إحداها في الهواء.

8. شريطة (الدحروجة والمسار الهندسي):

  • الفكرة الأساسية: لعبة تركيز ودقة تتطلب التحكم في جسم مسطح عبر مسار مرسوم.
  • آلية اللعب: يتم رسم مجموعة من الإطارات المربعة أو المستطيلة (تسمى شريطة) على الأرض باستخدام الطباشير. تستخدم الفتاة "شقيفة" (قطعة من حجر مسطح صغير) وتدحرجها أو تدفعها داخل هذه المربعات بترتيب معين. التحدي الأساسي هو تمرير الشقيفة عبر جميع الإطارات المرسومة دون أن تخرج عن حدود المربع أو الخطوط المرسومة.

ألعاب الكلمات والأدوار الاجتماعية:

9. جرادة مالحة (القرعة المحددة)

  • الفكرة الأساسية: لعبة قرعة جماعية تعتمد على إيقاع كلمات شعبية لتحديد الخاسر أو الفائز بشكل عشوائي.
  • آلية اللعب: يجلس اللاعبون معًا ويقومون بمد أيديهم على الأرض. يتولى أحد اللاعبين مهمة العد، حيث يمرر إصبعه على أيدي زملائه بالتزامن مع ترديد كلمات الجملة الشعبية:

"أجرادة مالحة، فين كنتي سارحة؟ آش كليتي؟ آش شربتي؟ غي التفاح، غي النفاح، القاضي يا بو مفتاح." اللاعب الذي تقع عليه الكلمة الأخيرة ("مفتاح") يكون هو الخاسر في تلك الجولة، ويتم إقصاؤه أو يعاقب بلعبة أخرى، وتستمر اللعبة حتى يبقى الفائز الأخير.

10. عشيشة (لعبة الأدوار وتقمص الأمومة):

  • الفكرة الأساسية: لعبة تقمص أدوار اجتماعية خاصة بالفتيات، حيث يمثلن دور الأمهات ويدرّبن على الحياة المنزلية.
  • آلية اللعب: تجتمع الفتيات في مكان آمن وهادئ، غالبًا ما يكون مدخل بيت إحداهن أو ركن في زقاق هادئ، ليصبح بمثابة "المنزل" أو "العش". يتقمصن أدوار الأمهات، فيمارسن أنشطة مثل الطبخ التخيلي (باستخدام الرمل أو الأوراق)، ترتيب المنزل، وتقديم الرعاية. العنصر الأساسي في اللعبة هو استخدام العرائس (الدمى) واعتبارهن بمثابة "بناتهن"، ويتعلمن من خلال هذا التقمص أسس العناية، المسؤولية، والتفاعل الاجتماعي.

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال