فهم السلوك الإنساني من منظور بيئي: مقاربة شاملة لتشخيص السلوك المضطرب من خلال تحليل العلاقة بين الفرد وبيئته

المنظور البيئي: فهم السلوك من خلال التفاعل بين الفرد والبيئة

يتبنى الاتجاه البيئي في علم النفس والعلوم الاجتماعية مقاربة شاملة لفهم السلوك الإنساني. هذا الاتجاه يرفض التفسيرات الأحادية التي تركز إما على العوامل الداخلية للفرد (مثل الجينات والشخصية) أو العوامل الخارجية للبيئة (مثل الظروف الاجتماعية). بدلاً من ذلك، يؤكد أن السلوك هو نتاج تفاعل معقد وديناميكي بين هاتين المجموعتين من القوى: القوى الداخلية التي تدفع الفرد، والقوى الخارجية المتمثلة في الظروف المحيطة به.


تأثير التخصص على فهم التفاعل البيئي:

على الرغم من أن الاتجاه البيئي يتفق على أهمية التفاعل بين الفرد والبيئة، إلا أن طريقة تحليل هذا التفاعل تختلف باختلاف التخصص العلمي لعالم البيئة. فكل تخصص يركز على جانب معين من هذا التفاعل:

  • عالم الاجتماع البيئي: يركز على العوامل البيئية الخارجية. يهتم بتأثير المجموعات الاجتماعية والمؤسسات (مثل الأسرة، المدرسة، المجتمع) على سلوك الأفراد، وكيف تشكل هذه المؤسسات شخصية الفرد وقراراته.
  • عالم البيئة الطبيب (الإكلينيكي): يبدأ تحليله من العوامل الداخلية للفرد. ينظر أولاً إلى العوامل الجينية التي تحدد خصائص الفرد ومزاجه، ثم يحلل كيفية تفاعل هذا الميول الوراثي مع بيئته لتشكيل السلوك.
  • عالم البيئة التحليلي (النفسي): يركز على التفاعل الأسري كنقطة انطلاق. يبدأ بتفسير تحليلي لشخصية الفرد (كما في التحليل النفسي الكلاسيكي)، ثم يطبق هذا النموذج لفهم أنماط التفاعل بين أفراد الأسرة وكيف تؤثر هذه الديناميكيات على سلوك الفرد.


تفسير السلوك المنحرف والتشخيص في الاتجاه البيئي:

في هذا المنظور، لا يُنظر إلى الانحراف أو الاضطراب السلوكي كخلل فطري في الفرد أو مشكلة في البيئة فقط، بل يُفسر على أنه عدم توافق بين سلوك الفرد والبيئة التي يعيش فيها. بعض العلماء يركزون على خصائص الفرد التي تجعله غير قادر على التكيف، بينما يركز آخرون على العوامل البيئية التي لا تلبي احتياجاته.

عند تشخيص السلوك المضطرب، فإن المختص الذي يتبع هذا الاتجاه لا يكتفي بالنظر إلى الفرد فقط. يهتم بجمع معلومات شاملة حول الطفل والبيئة التي يتفاعل فيها، بما في ذلك:

  • أنماط السلوك في مواقف مختلفة: ملاحظة كيف يتصرف الطفل في المدرسة، في المنزل، ومع الأصدقاء.
  • مقارنة السلوك عبر البيئات: يتم تسجيل الاختلافات في سلوكه في بيئتين مختلفتين (مثل الاختلاف بين سلوكه في المدرسة وسلوكه في المنزل).
  • تحديد المطالب السلوكية للموقف: يحاول المهني فهم توقعات كل بيئة من الفرد (على سبيل المثال، ما هي القواعد التي يجب على الطفل اتباعها في المدرسة؟ وهل تختلف عن القواعد في المنزل؟).

خلاصة الاتجاه البيئي:

الاتجاه البيئي لا يقدم نظرية واحدة متكاملة لتفسير كل السلوكيات، بل هو إطار عمل شامل يؤكد على أن السلوك ليس نتاجًا لسبب واحد، بل هو محصلة التفاعل المعقد بين الفرد ومحيطه. هذه الرؤية الشاملة تساهم في فهم أكثر عمقًا وتعقيدًا للسلوك الإنساني وتوفر أساسًا متينًا للتدخلات العلاجية والتربوية.

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال