تتمثل الأسباب الخاصة التي كانت وراء وضع المخطط الاستعجالي الوطني في مجال التربية والتعليم في فشل الإصلاحات التعليمية السابقة، وكساد النظريات التربوية على مستوى التنظير والتطبيق إما بسبب كونها شعارات سياسية جوفاء وفضفاضة، وإما لكونها نظريات جاهزة يحاول المسؤولون استنباتها في تربة مغايرة للتربة التي ظهرت فيها هذه النظريات.
ومن بين هذه النظريات والشعارات: مبدأ تعميم التمدرس، والدعوة إلى مجانية المدرسة، وتوحيد المدرسة المغربية، والحث على تطبيق نظرية الأهداف، والأخذ بالنظرية التداولية، والإشادة بنظرية الجودة، والدعوة إلى تمثل نظرية الشراكة، واستلهام نظرية مشروع المؤسسة، واستنبات نظرية الكفايات، وتمثل نظرية الإدماج، والالتزام أخيرا بخوصصة المقررات الدراسية، وتحريرها تجاريا على ضوء الانضباط بمقررات دفتر التحملات... بالإضافة إلى فشل وزارة التربية الوطنية في تطبيق بنود الميثاق الوطني للتربية والتكوين، والتي أصبحت مقرراته منسية ومطروحة عرض الحائط على الرغم من طموحها الكبير، ولم يتم تنفيذ معظم تعهداتها إلى حد الآن لأسباب ذاتية وموضوعية.
ناهيك عن تردي المدرسة المغربية هيكليا ووظيفيا، وضعف مردوديتها الإنتاجية، وتخلف معطياتها المعرفية والديداكتيكية والبيداغوجية ، وتفسخ منظومة القيم التربوية، وفشل هذه المدرسة في استقطاب التلاميذ، والذين بدأوا يغادرون المدرسة العمومية نحو المدرسة الخصوصية بشكل لافت للانتباه.
كما أصبحت المدرسة الخصوصية بدورها مؤسسة تجارية، ليس لها من هم سوى تحقيق المكاسب المادية، وجني الأرباح الطائلة على حساب الأهداف النبيلة التي يرجوها المجتمع المغربي من منظومة التربية والتعليم.زد على تلك الأسباب، ضعف المدرسة المغربية التي لم تستجب لطموحات الشعب المغربي، ولم تساير متطلبات الاقتصاد الوطني، ولم توفر أطرا مؤهلة لإرضاء سوق التشغيل، ولم تشبع رغبات التلاميذ.
وبالتالي، لم يجد فيها المواطن المغربي فضاء لتوطيد الديمقراطية الحقة تعليما وتعلما واستحقاقا، ولم يجد فيها أيضا العدالة الاجتماعية المشروعة، بل صارت مدرسة للصراع الاجتماعي والتفاوت الطبقي والتنافس غير المشروع.
كما أن هذه المدرسة تخرج لنا كل سنة آلافا من الطلبة غير مؤهلين أو مؤهلين بدبلومات لا تحتاجها السوق الوطنية.ومن الأسباب الأخرى التي كانت وراء تعثر المدرسة المغربية ظاهرة الهدر المدرسي، حيث ينقطع أكثر من 380 ألف طفل عن المدرسة سنويا قبل بلوغ 15 سنة عام 2006م، أي بنسبة تقدر بـ40٪.
وهذا الرقم يعاكس فلسفة الميثاق الوطني للتربية والتكوين الذي ينص على تعميم التعليم، والقضاء على الأمية نهائيا في 2015م. في حين ألفينا العكس هو الصواب، فالتلاميذ يغادرون الفصول الدراسية كل عام عن إرادة شخصية، وعن اقتناع وطواعية، وأيضا بمباركة الأسرة وتشجيعها؛ لأن المدرسة المغربية لا تحقق المستقبل بأي شكل من الأشكال.
وبالتالي، لا تضمن الشغل، ولا تعطي الخبز، ولا توفر الأمان، ولا تحقق الاستقرار المادي والمعنوي. ومن هنا، فقد وجدنا المؤسسات التعليمية المغربية اليوم غاصة بالإناث على حساب الذكور، و الذين بدأوا يغادرونها بحثا عن العمل أو استعدادا للهجرة إلى الضفة الأخرى.
وهذا سيترتب عنه في المستقبل- بلا ريب- أزمات خانقة كاستفحال ظاهرة البطالة، وقلة الموارد البشرية، وتفاقم ظاهرة العنوسة بين الإناث، وانتشار الإجرام بين الذكور.
وإلى جانب الهدر المدرسي، هناك ظاهرة خطيرة أخرى تؤثر على ميزانية الدولة ألا وهي ظاهرة التكرار، والتي بدأت تزداد كل سنة بنسبة عالية (13٪ في السلك الابتدائي، و17٪ في الثانوي مع نسبة مرتفعة تتجاوز نسبة 30٪ في الثالثة إعدادي والسنة الثانية من البكالوريا)، بينما يلاحظ أن التكرار في البلدان المتقدمة ممنوع بموجب القانون.
ومن جهة أخرى، فهذا التكرار في الحقيقة ناتج عن تردي المنظومة التربوية عموما، والتي تضم في مؤسساتها أزيد من 6ملايين و535 ألف متعلم، ناهيك عن ضعف مردودية التعليم معرفيا ومهاريا وديداكتيكيا وبيداغوجيا ونفسيا وثقافيا واجتماعيا واقتصاديا، وضعف التكوين عند المدرسين الذين يقدر عددهم بـ220 ألف، بينما الوزارة لا تخصص لتكوينهم البيداغوجي سوى 84 مليون درهم حسب إحصائيات سنة 2007م، وهذا الغلاف المالي في الواقع ضعيف بالمقارنة مع العدد الهائل من رجال التعليم، والذين هم في حاجة ماسة إلى التكوين التربوي والتأطير المعرفي والثقافي.
ولا ننسى أيضا الوضعية المتدهورة للفضاءات التربوية والتعليمية على مستوى البنايات والتجهيزات، فالقاعات غير الصالحة تفوق تسعة آلاف قاعة.
كما أن 60٪ من المدارس الموجودة بالأرياف غير مرتبطة بشبكة الكهرباء، وأكثر من 75٪ من هذه المؤسسات لا ماء لها، في حين أن 80٪ ليس لها دورات مياه.ويلاحظ أيضا قلة المؤسسات التربوية المشيدة من قبل الدولة، فالحاجة إلى الفصول الإعدادية مثلا تصل إلى 260 مؤسسة سنويا، بينما لا تبني منها الدولة سوى 90 كل سنة.
أضف إلى ذلك، عدم قدرتها على استيعاب العدد الهائل من التلاميذ، والذين يتزايدون كل سنة؛ مما سبب في ظاهرة الاكتظاظ الصفي (41 تلميذا في كل فصل).
علاوة على ذلك، نشير إلى ظاهرة انتشار الأساتذة الأشباح الذين يتهربون من مهمة التدريس لأسباب عدة كالتظاهر بالأمراض المزمنة، والاستفادة من العلاقات الإخوانية والزبونية المبرمة مع المسؤولين عن القطاع، وإرغام الإدارة على قبول المطالب النقابية، ونهج سياسة التفييض المقنع.
كما يلاحظ أيضا استفحال ظاهرة غياب رجال التعليم بشكل مقبول أو غير مقبول، فقد أحصت الوزارة بخصوص الغيابات المبررة بشواهد طبية حوالي مليون و880 ألف يوم في السنة.
وبالتالي، لا يمكن أن تتحقق المردودية التعليمية والجودة التربوية بغياب الفاعلين التربويين الأساسيين.
ومن الأسباب الأخرى التي كانت وراء وضع هذا المخطط عدم قدرة المنظومة التعليمية المغربية التعاطي مع مستجدات الثورة الإعلامية والرقمية، وغياب التكوين المستمر للمدرسين ورجال الإدارة.
ولا غرو أن وزارة التربية الوطنية المغربية بدأت توظف مجموعة من المدرسين بدون تأهيلهم تأهيلا بيداغوجيا وديداكتيكيا، أو قد تكونهم تكوينا سريعا لا يحقق النجاعة الحقيقية، ولا يعطي الثمار المرجوة داخل القسم الصفي. ولا ننسى أيضا عدم تجديد وسائل العمل الديداكتيكي والبيداغوجي داخل الفضاء المدرسي.
ويمكن الإشارة كذلك إلى نقص على مستوى التأطير والإشراف، وخصاص على مستوى الأطر التربوية سواء أكان ذلك في القطاع المدرسي أم قطاع التعليم العالي بعد تطبيق عملية المغادرة الطوعية سنة 2005م، وعدم انضباط رجال التعليم واحترامهم لساعات العمل، حيث إن أكثر من 37 ٪ من أساتذة التعليم الإعدادي لا يمارسون فعليا ساعات العمل المحددة في 24 ساعة في الأسبوع.
أما أساتذة التعليم الثانوي التأهيلي، فإن 16 ٪ منهم لا يحترمون ساعات العمل المحددة في21 ساعة في الأسبوع.
وهناك أيضا خصاص على مستوى رجال الإدارة، فلدى الوزارة الوصية ما يفوق 300 منصب مديري شاغر.
وعلى المستوى الجامعي، يبرز مشكل الاكتظاظ بشكل لافت للانتباه باعتباره عائقا كبيرا ومشكلا حادا، حيث تفوق نسبة التأطير معدل 85 طالبا لكل أستاذ جامعي، مع ملاحظة غياب التوازن بين المسالك العلمية والتكوينية والأدبية، وتفاقم ظاهرة الخصاص في الموارد البشرية.
التسميات
استعجالي