أدوات الاستفهام بين طلب الكُنه والحكم: دراسة لأنواع الاستفهام (التصوري والتصديقي) ودلالات كل أداة

أقسام أدوات الاستفهام في اللغة العربية: التصور والتصديق وأدواتهما

تُعدّ أدوات الاستفهام من الركائز الأساسية في بناء الجملة الاستفهامية باللغة العربية، وتُستخدم لطرح الأسئلة وطلب المعلومة. تتنوع هذه الأدوات وتختلف وظائفها باختلاف الغرض من الاستفهام، إذ تنقسم إلى ثلاثة أقسام رئيسية بناءً على نوع الإجابة المطلوبة: هل هي طلب لـ التصور، أم لـ التصديق، أم لكليهما؟


أولًا: أدوات الاستفهام التي يُطلب بها التصور

يُقصد بـ التصور إدراكُ المفرد، أي معرفة كُنه الشيء أو حقيقته دون الحكم عليه بنسبة أو علاقة معينة. ببساطة، هو فهم المعنى العام للكلمة أو المفهوم. عندما تسأل عن تصور، فإنك تطلب تحديدًا لشيء بعينه أو لمفهوم مستقل.

أمثلة على التصور:

  • "ما زيدٌ؟" (تطلب تعريفًا لزيد).
  • "من الرئيس؟" (تطلب تحديد شخص الرئيس).
  • "أيّ كتاب قرأت؟" (تطلب تحديد كتاب معين).
  • "كم قلمًا لديك؟" (تطلب تحديد عدد الأقلام).

في هذه الأمثلة، تكون الإجابة محددة ومفردة، فلا توجد نسبة بين مسند ومسند إليه. الإجابة عن "من الرئيس؟" هي "فلان"، والإجابة عن "أي كتاب قرأت؟" هي "كتاب كذا".

الأدوات التي يُطلب بها التصور دائمًا:

  • مَن: تُستخدم للعاقل.
  • ما: تُستخدم لغير العاقل، أو لبيان حقيقة الشيء.
  • متى: تُستخدم للزمان.
  • أيان: تُستخدم للزمان المستقبل، وتفيد التهويل أو التفخيم.
  • كيف: تُستخدم للحال والكيفية.
  • أين: تُستخدم للمكان.
  • أنّى: تُستخدم للحال أو المكان أو الزمان، حسب السياق.
  • كم: تُستخدم للعدد.
  • أيّ: تُستخدم لجميع الدلالات السابقة (عاقل، غير عاقل، زمان، مكان، حال، عدد) حسب المضاف إليه، وتتميز بأنها المعربة الوحيدة من أدوات الاستفهام.

ثانيًا: أدوات الاستفهام التي يُطلب بها التصديق

أما التصديق، فهو إدراك النسبة بين شيئين، أي إدراك وجود علاقة أو حكم بين المسند والمسند إليه، سواء كانت هذه النسبة إيجابية (إثبات) أو سلبية (نفي). عندما يُطلب التصديق، تكون الإجابة غالبًا بـ "نعم" أو "لا"، لتأكيد النسبة أو نفيها.

أمثلة على التصديق:

  • "أزيدٌ قائمٌ؟" (تسأل عن صحة نسبة القيام لزيد).
  • "هل اللهُ عالمٌ؟" (تسأل عن صحة نسبة العلم لله).
  • "ألم يحضر محمدٌ؟" (تسأل عن صحة نفي حضور محمد).

الإجابة هنا ليست مفردة، بل هي حكم على علاقة: "نعم، زيدٌ قائمٌ" أو "لا، ليس زيدٌ قائمًا".

الأدوات التي يُطلب بها التصديق دائمًا:

  • هل: وهي أداة الاستفهام الوحيدة التي لا يُطلب بها إلا التصديق، وتدخل على الجمل الاسمية والفعلية المثبتة.

  1. مثال: "هل أنتَ طالبٌ؟" (الإجابة: نعم/لا).
  2. مثال: "هل حضرَ الأستاذُ؟" (الإجابة: نعم/لا).


ثالثًا: أدوات الاستفهام التي يُطلب بها التصور مرةً والتصديق أخرى

هذا القسم خاص بأداة استفهام واحدة تتميز بمرونتها وقدرتها على طلب التصور أو التصديق حسب سياق الجملة وطريقة صياغتها.

الأداة التي يُطلب بها التصور مرةً والتصديق أخرى:

الهمزة (أ): تُعد الهمزة أكثر أدوات الاستفهام استخدامًا وتنوعًا، وتُحدد وظيفتها بناءً على وجود أم عدم وجود "أم" المعادلة.
  • لطلب التصور: إذا جاءت الهمزة متبوعة بـ "أم" المعادلة، فإنها تُطلب التصور، ويكون السائل يجهل أحد الأمرين المعطوف عليهما.
  1. مثال: "أمحمدٌ حضرَ أم عليٌّ؟" (تطلب تحديد أحدهما، الإجابة: محمدٌ/عليٌّ).
  2. مثال: "أبالقطارِ سافرتَ أم بالطائرةِ؟" (تطلب تحديد الوسيلة، الإجابة: بالقطار/بالطائرة). في هذه الحالة، الإجابة تكون مفردة تُحدد أحد الخيارين.
  • لطلب التصديق: إذا جاءت الهمزة وحدها (دون "أم" المعادلة)، فإنها تُطلب التصديق، والإجابة عنها تكون بـ "نعم" أو "لا".
  1. مثال: "أحضرَ الضيفُ؟" (تسأل عن صحة الحضور، الإجابة: نعم/لا).
  2. مثال: "أأنتَ فاهمٌ؟" (تسأل عن صحة الفهم، الإجابة: نعم/لا). يمكن أن تدخل الهمزة على الجمل المثبتة والمنفية، مثل: "ألم تذهب إلى المدرسة؟" (الإجابة: بلى/نعم).

التصور والتصديق: خلاصة المفهوم

لتوضيح الفرق بين التصور والتصديق بشكل مبسط:

  • التصور: هو معرفة الذات أو المفهوم المستقل. عندما تتصور "كتابًا"، فأنت تدرك ماهية الكتاب كشيء، دون الحكم عليه بشيء آخر.
  • التصديق: هو معرفة النسبة أو الحكم بين مفهومين. عندما تُصدّق أن "الكتابُ مفيدٌ"، فأنت تُدرك وتُقرّ بنسبة الإفادة للكتاب.

وبشكل عام، إن كان العلم الذي تطلبه أو تُدركه هو إذعانٌ للنسبة (أي إقرار بوجود علاقة أو حكم)، فهو تصديق. وإن كان إدراكًا لـ مفرد أو مفهوم بحد ذاته، فهو تصور.

ويجدر بالذكر أن التصديق لا يقتصر على الإثبات فقط، بل يشمل النفي أيضًا. فقولك "أبو جهلٍ فاسقٌ" هو تصديق بنسبة الفسق لأبي جهل، تمامًا كما أن "محمدٌ رسولُ الله" تصديق بنسبة الرسالة لمحمد صلى الله عليه وسلم.

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال