الأضحية بغير بهيمة الأنعام.. والذي يضحى به بإجماع من المسلمين الأزواج الثمانية وهي الضأن والمعز والإبل والبقر

شاع في وقت من الأوقات بعض الفتاوى المريضة التي تنم عن ضعف اتباعٍ لهدي النبي صلى الله عليه وسلم ، ممن استهوته الشياطين فشغلته بالدنيا عن الدين فأصبح من المفتين الضالين ، الذين أفتوا بخلاف الدليل فضلوا وأضلوا كثيراً وضلوا عن سواء السبيل .
لقد أفتوا جموع المسلمين بجواز التضحية بغير بهيمة الأنعام ظناً منهم بالتيسير أو لأمور تخفيها ضمائرهم ، وتكنها صدورهم ، فمن لم يكن مستطيعاً أن يضحي فالأضحية سنة مؤكدة ، لا تجب على المعسر ، ولا تجب على غير القادر عليها كالفقير والمسكين وصاحب الدين ، فمن وجد سعة ضحى ومن لم يجد سعة سقطت عنه الأضحية لعدم القدرة عليها ، أما أن يتكلف ويعمل بخلاف سنة النبي صلى الله عليه وسلم في أمر له فيه سعة وأناة ، فهذا أمر لا يجوز ، فمن لم يجد أضحية من بهيمة الأنعام فإنه لا يكلف غيرها.
قال ابن عبدالبر : والذي يضحى به بإجماع من المسلمين الأزواج الثمانية وهي / الضأن والمعز والإبل والبقر [1].
ومقصوده بالأزواج الثمانية أي الذكر منها والأنثى ، كما في قوله تعالى : " ثمانية أزواج من الضأن اثنين ومن المعز . . . إلى قوله تعالى " ومن الإبل اثنين ومن البقر اثنين " ، فالكل مجزئ في الأضحية الذكر والأنثى ، إذا بلغ السن المعتبرة في ذلك وهي / الجذع من الضأن والثني فيما عداه .
وعلى ذلك فمن ضحّى بغير بهيمة الأنعام فأضحيته غير صحيحة ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم ضحّى بالإبل وبالبقر وبالغنم وكذلك أصحابه من بعده ، ولم يؤثر عن أحد منهم أنه ضحّى بغير بهيمة الأنعام .
ولا عبرة بقول قائل من قال أن الأضحية بغير بهيمة الأنعام جائزة ، لأننا لا نأخذ الأحكام إلاّ من الكتاب والسنة والإجماع ، وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه ضحّى ببهيمة الأنعام ، ومعلومٌ أنه في ذلك الوقت كان هناك الفقراء الذين لا يستطيعون التضحية ، فلو جازت التضحية بغير بهيمة الأنعام لدلّ النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه لذلك ، إذ كان موجوداً في ذلك الوقت الطيور والدواب وغيرها من الحيوانات الصغيرة والتي قد يكون لبعضها قيمة وبعضها لا قيمة له إذ قد يسهل الحصول عليه من جراّء صيد أو غيره .
فلماّ لم يثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه حثّ أصحابه على التضحية بغير بهيمة الأنعام عُرف أن ذلك مخالف لهديه صلى الله عليه وسلم ، وأنه من الابتداع في دين الله تعالى .
وأماّ من أجاز التضحية بالدجاج فقد غلط في ذلك غلطاً فادحاً ، لأنه عارض قول النبي صلى الله عليه وسلم وفعله وإقراره في التضحية ببهيمة الأنعام ، وإنما قد يكون من أجاز التضحية بالدجاج قد استند إلى حديث " الدجاج غنم فقراء أمتي ، والجمعة حج فقرائها " [2] .
فالحديث موضوع لا تقوم به قائمة ولا تنهض له ناهضة ، ولا تشد به الظهور ، ولا يفرح به إلا مغرور ، فصاحبه صاحب بضاعة مزجاة .
وأماّ قول بلال رضي الله عنه : ما أبالي لو ضحيت بديك .[3].
فقال عنه الراوي : فلا أدري أسويد قاله من قِبل نفسه أو هو من قول بلال .
وعلى فرض صحة هذا القول فهو معارض بأمر النبي صلى الله عليه وسلم وفعله وتقريره لمن ضحىّ ببهيمة الأنعام . فلا حجة لأحد في أثر بلال ، ولا قول لأحد من الناس في مقابل قول النبي صلى الله عليه وسلم ، ولو كان من كان .
قال ابن رشد : أجمع العلماء على جواز الضحايا من بهيمة الأنعام .
ثم قال : وروي عن بلال أنه ضحىّ بديك ، وكل حديث ليس بوارد في الغرض الذي يحتج فيه به فالاحتجاج به ضعيف .[4].
فأقول : الواجب على المسلم إتباع ما جاء في الكتاب والسنة وإجماع العلماء ، فمن خالف الإجماع فقد شذّ ولا عبرة بقوله ما لم يكن مستنداً إلى دليل صحيح يخالف فيه غيره ، وإلاّ فالواجب على المسلم إتباع سنة النبي صلى الله عليه وسلم ، فقد أُوتي الكتاب ومثله معه وهو سنته الصحيحة التي لا التباس فيها .
فكل الناس يؤخذ منه ويُرد عليه إلاّ النبي صلى الله عليه وسلم فهو لا ينطق عن الهوى إن هو إلاّ وحي يوحى .
فعلم من ذلك أن الأضحية بغير بهيمة الأنعام أمر منكر ، وخطير ، ومصادم للكتاب والسنة .
فعلى المسلمين جميعاً أن يتقوا الله تعالى حق تقاته ، وأن يعملوا بمقتضى الكتاب والسنة الصحيحة ، وما أجمع عليه علماء هذه الأمة الأجلاء ، وأن نترك الخلافات ، وننبذ شعارات الفرقة ، وأن نحذر ممن يدسون السم في الدسم لتفريق كلمة المسلمين ، والواجب على المسلمين أجمعين حكاماً ومحكومين أن يتخذوا علماء فضلاء يُشهد لهم بالعلم الشرعي الصحيح ، وأن يحذروا علماء الضلال والسوء ، وأن يعتصموا بكتاب الله تعالى ، وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ، ففيهما الخير كل الخير ، وفيهما النجاة والخلاص يوم القيامة .
[1] ] الإجماع لابن عبدالبر 181 [
[2] ] السلسلة الضعيفة 1 / 345 [
[3] ] رواه عبدالرزاق في المصنف 4 / 385 [
[4] ] بداية المجتهد 2 / 830 [

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال