الأدبية وإشكالية التطور: مقاربة الشكلانيين لدراسة الأشكال الأدبية المتغيرة والتمييز بين العمل الأدبي كـ"حقيقة تاريخية" و"حرية التأويل المعاصر"

الشكلانية والبنيوية: منهج جديد في دراسة تاريخ الأدب

تُمثل حركة الشكلانيين الروس (Formalists) نقطة تحول حاسمة في دراسة تاريخ الأدب، إذ سعت إلى تأسيس منهجية علمية ومنظمة لدراسة الظاهرة الأدبية، بعيدًا عن المناهج التقليدية التي كانت تركز على سيرة المؤلف أو السياقات الاجتماعية والنفسية.


1. البيان التأسيسي واستخدام مصطلح البنيوية:

تبلورت الأفكار المنهجية للشكلانيين بشكل نهائي ومنظم في البيان الذي أصدره أقطاب هذه المدرسة في عام 1928. كان هذا البيان بمثابة الإعلان الرسمي عن نهجهم الجديد. والأهم من ذلك، أن هذا البيان شهد الاستخدام المنهجي الأول لكلمة (بنيوية) (Structuralism) في سياق دراسة الأدب. هذا التبني للمصطلح أشار إلى تحول في التركيز نحو النظر إلى العمل الأدبي بوصفه بنية أو نظامًا متكاملًا من العلاقات.

كما جاء التأكيد على هذا المنهج البنيوي لاحقًا على يد أحد أبرز الشكلانيين، وهو ياكوبسون (Jakobson)، في بحثه المهم الذي قدمه أمام مؤتمر اللغات السلافية عام 1929. وقد ركز بحث ياكوبسون تحديدًا على وظائف اللغة الشعرية، حيث طبق عليها الإطار المنهجي البنيوي، مؤكدًا على أن فهم الشعر يتطلب تحليل العلاقات الداخلية المكونة لنظامه اللغوي.


2. موقف الشكلانيين من تاريخ الأدب والعلوم الأخرى:

أكد بيان الشكلانيين على أن دراسة تاريخ الأدب يجب أن تكون دراسة علمية تستند إلى قوانين تحكمها. وقد جاء في البيان نقطتان أساسيتان:

  • وشائج تاريخ الأدب بالعلوم الأخرى: أشاروا إلى وجود وشائج حميمة وعلاقات قوية تربط تاريخ الأدب بالعلوم الأخرى (مثل علم اللغة)، مما يوجب على دارس الأدب أن يمتلك الإلمام الكامل بالقوانين التي تحكم الظواهر الأدبية ذاتها. هذا يؤسس فكرة أن الأدب ليس مجرد سجل للذوق أو التاريخ، بل هو موضوع ذو نظام داخلي قابل للدراسة المنهجية.
  • استحالة الربط دون معرفة القوانين: أكدوا أنه من المستحيل إقامة أي علاقة دقيقة أو صحيحة بين الأنظمة الأدبية (التي تشمل الأنواع والأشكال الأدبية) والأنظمة الأخرى (كالتاريخ والاجتماع والنفس) ما لم يتم أولاً معرفة هذه القوانين الداخلية التي تحكم النظام الأدبي في حد ذاته. بمعنى آخر، لا يمكن تفسير الأدب بالتأثيرات الخارجية قبل فهم كيف يعمل الأدب داخليًا.

3. التطور الأدبي ورفض العوامل الخارجية:

كان الشكلانيون حريصين على تحديد مجال الدراسة الأدبية بدقة، وعليه فقد رفضوا التفسيرات الخارجية للتطور الأدبي:

  • التفسير الداخلي للتطور: يرون أن التطور الأدبي لا يمكن فهمه عن طريق إقحام أو طرح مشاكل تعرض عليه من خارج نظمه الخاصة. فالتحولات والتغيرات في الأدب يجب أن تُفسر من داخل المنظومة الأدبية نفسها، كالتفاعل بين الأشكال القديمة والجديدة، والتغير في وظيفة عنصر أدبي ما.
  • رفض العوامل الخارجية: هذا يقتضي إبعاد مشكلات مثل الإبداع النفسية للمؤلف أو التأثيرات الخارجية (كالظروف الاجتماعية والسياسية) عن صميم الدراسة الأدبية. لم يُلغوا وجود هذه العوامل، ولكنهم اعتبروا أنها ليست المفسر الأساسي والمنهجي لظاهرة الأدب و لتطوره. الهدف هو دراسة (الأدبية) (Literariness) أي ما يجعل النص أدبًا، وليس سيرة المؤلف أو نفسيته.

4. وظيفة الأشكال الأدبية واستقرار العمل الأدبي:

أبرز الشكلانيون حقيقتين جوهريتين تتعلقان بالشكل الأدبي:

  • عدم الاستقرار في الأشكال: أشاروا إلى عدم الاستقرار والديناميكية المستمرة في الأشكال الأدبية. فالنوع الأدبي (كالرواية أو القصيدة) ليس ثابتًا، بل هو في تحول مستمر عبر التاريخ. هذا التغير المستمر هو ما يجعل دراسة وظائف هذه الأشكال ضرورية. يجب تحليل كيف يؤدي الشكل (أو العنصر الشكلي) وظيفته في لحظة تاريخية معينة وكيف تتغير هذه الوظيفة.
  • العمل الأدبي كحقيقة تاريخية: أكدوا على ضرورة التمييز بين حقيقتين:
  1. العمل الأدبي كحقيقة تاريخية في ذاته: وهو كيان مستقر له بنيته وقوانينه الداخلية كما ظهر في زمنه.
  2. حرية تأويله من وجهة نظر التطلعات المعاصرة: أي التفسيرات التي يقدمها القارئ المعاصر وفقًا لأذواقه ومصالحه الأدبية الحالية.

هذا التمييز يدعو إلى فصل الدراسة المنهجية للعمل الأدبي عن الذاتية والتأويلات الشخصية أو العصرية غير المنهجية.

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال