التشبيه الضمني.. تشبيه لا يوضع فيه المشبه والمشبه به في صورة من صور التشبيه المعروفة بل يلمحان في التركيب

التشبيه الضمني هو: تشبيه لا يوضع فيه المشبه والمشبه به في صورة من صور التشبيه المعروفة بل يلمحان في التركيب.
وهذا النوع يؤتى به ليفيد أن الحكم الذي أسند على المشبه ممكن الوقوع.
كقول الشاعر:
من يهن يسهل الهوان عليه -- ما لجرح بميت إيلام

وبيان ذلك أن الكاتب أو الشاعر قد يلجأ عند التعبير عن بعض أفكاره إلى أسلوب يوحي بالتشبيه من غير أن يصرح به في صورة من صوره المعروفة.

ومن بواعث ذلك التفنن في أساليب التعبير، والنزوع إلى الابتكار والتجديد، واقامة البرهان على الحكم المراد اسناده إلى المشبه، والرغبة في اخفاء معالم التشبيه ؛ لأنه كلما خفي ودقّ كان أبلغ في النفس.

ولنأخذ مثالا لذلك، وهو قول أبي فراس الحمداني:
سيذكرني قومي إذا جد جدهم
وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر

فهو هنا يريد أن يقول: إن قومه سيذكرونه عند اشتداد الخطوب والأهوال عليهم ويطلبونه فلا يجدونه، ولا عجب في ذلك لأن البدر يفتقد ويطلب عند اشتداد الظلام.

فهذا الكلام يوحى بأنه تضمن تشبيها غير مصرح به؛ فالشاعر يشبه ضمنا حاله وقد ذكره قومه وطلبوه فلم يجدوه عندما ألمت بهم الخطوب بحال البدر يطلب عند اشتداد الظلام.
فهو لم يصرح بهذا التشبيه و إنما أورده في جملة مستقلة وضمنه هذا المعنى في صورة برهان.

ولنأخذ مثالا آخر وهو قول البحتري:
ضحوك إلى الأبطال وهو يروعهم
وللسيف حد حين يسطو ورونق 

فممدوح البحتري يلقى الشجعان بوجه ضاحك وهو يروعهم ويفزعهم في الوقت ذاته ببأسه وسطوته، وكذلك السيف له عند القتال والضرب رونق وفتك، وهذا كلام يُشم منه رائحة التشبيه الضمني.

فالبحتري لم يأتِ بالتشبيه صريحا فيقول: إن حال الممدوح يضحك في غير مبالاة عند ملاقاة الشجعان ويفزعهم ببأسه وسطوته تشبه حال السيف عند الضرب له رونق و فتك، ولكنه أتى بذلك ضمنا، لباعث من البواعث السابقة.

ولنأخذ مثالا ثالثا وهو قول ابن الرومي:
قد يشيب الفتى وليس عجبا
أن يُرى النور في القضيب الرطيب

فابن الرومي يود أن يقول هنا: قد يعتري الفتى الشيب في ريعان شبابه ، وليس ذلك بالأمر العجيب لأن الغصن الغض  الندي قد يظهر فيه الزهر الأبيض قبل أوانه.

فالأسلوب الذي عبر به ابن الرومي عن فكرته هنا يتضمن تشبيها لم يصرح به، فإنه لم يقل مثلا: إن الفتى وقد شاب مبكرا كالغصن الغض الرطيب وقد أزهر قبل أوانه، ولكنه أتى بالتشبيه ضمنا ، لإفادة أن الحكم الذي أُسند للمشبه أمر ممكن الوقوع.

و لنأخذ مثلا أخيرا وهو قول أبي تمام:
 لا تنكري عطل الكريم من الغنى
السيل حرب للمكان العالي

يريد أبو تمام أن يقول لمن يخاطبها: لا تنكري خلو الرجل الكريم من الغني، فإن ذلك ليس غريبا؛ لأن قمم الجبال وهي أعلى الأماكن لا يستقر فيها ماء السيل.

فالكلام يوحي بتشبيه ضمني، ولو صرح به لقال مثلا: إن الرجل الكريم المحروم الغني يشبه قمة الجبل وقد خلت من ماء السيل.

ولكن الشاعر لم يقل ذلك صراحة، وإنما أتى بجملة مستقلة وضمنها هذا المعنى في صورة برهان على إمكان وقوع ما أسنده للمشبه.

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال