الشعرية اللسانية.. تحديد مواطن الجمال في النصوص الإبداعية وإدراك القيمة الجمالية للنص الإبداعي وتحديد بنيته الفنية وتأويل النصوص الأدبية لتصبح مجموعة من القواعد المعيارية

تنطلق الشعرية اللسانية في تأسيس موضوعها من مسلمات أساسية أهمها:

1- إن البلاغة القديمة لم تعد قادرة على تحديد مواطن الجمال في النصوص الإبداعية لأنها اقتصرت على التصنيف والتبويب، وتعاملت مع الأشكال التعبيرية المختلفة كالوزن والقافية والاستعارة والتقديم والتأخير والحذف بوصفها أنماطا معزولة، وظواهر مستقلة وانزياحات فردية، حيث لم تكلف نفسها عناء البحث عن البنية المشتركة بين القافية باعتبارها مقوما صوتيا والتقديم والتأخير باعتباره مقوما تركيبيا والاستعارة بوصفها مقوما دلاليا.

وبطبيعة الحال فإن الشعرية اللسانية تسعى إلى تجاوز استقلالية الانزياحات بعضها عن بعض لتقيم مكانها جدلية الانزياحات كل حسب وظيفته ومستواه اللساني.

إنها باختصار تقيم ما يسميه كوهن بشكل الأشكال، من خلال البحث عن الأساس المشترك بين الأشكال المختلفة تفضي في النهاية إلى نظرية متكاملة تتضمن مجمل العمليات التي ينبني عليها الشعر.

2- كانت الشعرية التقليدية تتناول الفرق بين الشعر والنثر من وجهة نظر ضيقة، حيث كانت تنظر إلى الشعر "على أنه النثر مضافا إليه الوزن والقافية وعندما يتجرد من الوزن والقافية ويتحول إلى نثر يعود إلى ما يستطيع القارئ أن يفهمه".

ومن هنا فإن الفرق بين الشعر والنثر فرق كمي فقط، فالبلاغة القديمة كانت تتصور أن القول الشعري لا يكتمل إلا بإضافة ما تسميه بالمحسنات الجمالية، وهذه المحسنات لا تتوفر، طبقا لقواعد البلاغة، إلا في النصوص الإبداعية.

وقد ظل هذا التصور سائدا لمدة طويلة خاصة في العصور التي ازدهرت فيها البلاغة التقليدية.

الواقع أن مثل هذا التصور يفضي إلى إقامة نظرية عاجزة عن إدراك القيمة الجمالية للنص الإبداعي وتحديد بنيته الفنية.

وهذا ما دعا الشعرية اللسانية إلى إعادة طرح القضية من جديد مقررة أن الفرق بين الشعر والنثر يتم من خلال الشكل وليس المادة، أي من خلال المعطيات اللغوية الداخلية وليس المضامين التي تعبر عنها تلك المعطيات.

ومن هنا فإن مجرد زينة وحلية للخطاب الشعري بل إنها خصائص جوهرية وسمات أساسية في الخطاب الشعري، فهذه الصور البلاغية كما يقول كوهن "ليست مجرد زخرف زائد، بل إنها لتكون جوهر الفن الشعري نفسه فهي التي تفك إسار الحمولة الشعرية التي يخفيها العالم، تلك الحمولة التي يحتفظ بها النثر أسيرة لديه".

إن الشاعر، وفق هذا التصور، يفكر بطريقة شعرية منذ البداية أي أنه لا يرتب أفكاره نثرا ثم يحولها إلى شهر بإضافة محسنات لغوية بديهية لأن "طريقة التعبير الشعري تحمل أفكار الشعر الخاصة بحيث تصبح الفكرة نفسها فكرة شعرية ويصبح تجريدها من صياغتها الشعرية تدميرا لها بوصفها شعرا".

إن البلاغة القديمة فقدت وظيفتها الأساسية في تأويل النصوص الأدبية لتصبح مجموعة من القواعد المعيارية، وفي المقابل فإن الشعرية الحديثة لم تعد تهتم بابتكار أدوات الإنتاج الأدبي بل تهتم بإنتاج أدوات للوصف والتحليل.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال