المسيحية: رسالة التوحيد التي تطورت عبر التاريخ
المسيحية في جوهرها، كما جاء بها عيسى عليه السلام، كانت رسالة توحيد خالصة، تكميلًا لما جاء به موسى عليه السلام. فقد كانت دعوته موجهة لبني إسرائيل ليعودوا إلى عبادة الله الواحد الأحد، وترك ما ابتدعوه من عبادات فاسدة. جاءت رسالته في زمن كانت فيه الأمة اليهودية تحت وطأة الحكم الروماني القاسي، فكانت رسالته تحمل الأمل في الخلاص الروحي من سيطرة الخطيئة، والتحرر من الظلم.
عقائد أضافها البشر: جوهر التغيير في الديانة
بعد رحيل عيسى عليه السلام، حدثت تغيرات جوهرية في الديانة، حيث أضيفت إليها عقائد جديدة لا تتفق مع جوهر التوحيد الذي نزل به الوحي. هذه العقائد شكلت الأساس للمسيحية في صورتها الحالية:
1. عقيدة التثليث (الثالوث المقدس):
- الأب: هو الله، الخالق والمدبر.
- الابن (يسوع): هو تجسيد لله، الذي نزل إلى الأرض في صورة إنسان.
- الروح القدس: هو روح الله الذي يُلهم الأنبياء والرسل.
المسيحيون يؤمنون بأن الأقانيم الثلاثة متساوية في الجوهر والإلهية، وهذا ما يجعلهم لا يؤمنون بآلهة ثلاثة، بل بإله واحد في ثلاثة صور. هذا المفهوم المعقد يُعرف في المسيحية بـ "سر الإيمان".
- تُعدّ هذه العقيدة أهم عقيدة في المسيحية المعاصرة. هي فكرة أن الله واحد في الجوهر، ولكنه مركب من ثلاثة أقانيم (أشخاص):
2. عقيدة الخطيئة والفداء (الخلاص):
- تُعتبر هذه العقيدة المحور الذي تدور حوله المسيحية. فهي تقول إن كل البشر ورثوا "الخطيئة الأصلية" من آدم وحواء، التي جعلتهم غير قادرين على الوصول إلى الله. ولأن العدل الإلهي يقتضي عقابًا للخطيئة، يُعتقد أن الله (الأب) أرسل ابنه (يسوع) ليُعاني ويُصلب، ليُكفر عن ذنوب البشرية جمعاء.
- المفهوم: يُنظر إلى صلب المسيح على أنه تضحية عظيمة، "فداء" للبشرية، حيث تحمل يسوع العقاب المستحق على كل البشر.
- النتيجة: يؤمن المسيحيون بأن كل من يؤمن بالمسيح يُغفر له ذنوبه ويُخلّص من الخطيئة.
3. محاسبة المسيح للعباد (يوم الدين):
- يُعتقد في المسيحية أن يسوع المسيح سيعود في آخر الزمان ليُحاسب البشر.
- المفهوم: يؤمن المسيحيون أن يسوع هو الديان الذي سيُصدر الأحكام النهائية على الناس، ويُقرر مصيرهم الأبدي.
- الخلاصة: هذا الاعتقاد يُعطي المسيح مكانةً تفوق مكانة أي نبي آخر، ويجعله شريكًا لله في الحكم.
4. غفران الذنوب (سر الاعتراف):
- المفهوم: الكاهن لا يغفر الذنب بنفسه، بل هو وسيلة لإيصال غفران الله إلى المذنب بعد أن يُقر بخطيئته.
- النتيجة: هذا المفهوم يُعطي الكنيسة سلطة روحية كبيرة، حيث تصبح الوسيط بين الإنسان وربه.
- هذه الممارسة تُعدّ من الأسرار المقدسة في الكنيسة الكاثوليكية، حيث يُعترف الشخص بخطاياه أمام كاهن (قسيس) يُمثل الله.
هذه العقائد التي تفرعت عن الرسالة الأصلية، تُظهر كيف تطورت الديانة المسيحية عبر التاريخ، وانتقلت من التوحيد الخالص الذي جاء به عيسى عليه السلام، إلى مفاهيم معقدة أثرت على علاقة الإنسان بربه.