مقارنةٌ عقائديةٌ بين منهجي الماتريدية وأهل السنة والجماعة في إثبات وتأويل الصفات الإلهية

مذهب الماتريدية في الصفات الإلهية:

يُعدّ مذهب الماتريدية واحدًا من المدارس الكلامية السنية الرئيسية، إلى جانب الأشاعرة والأثرية. يتبنى الماتريدية موقفًا خاصًا فيما يتعلق بصفات الله تعالى، حيث يُثبتون ثماني صفات أساسية فقط، يرون أنها ضرورية ويمكن إدراكها بالعقل (العقل). هذه الصفات هي:

  • الحياة: فالله حي بذاته أزلًا وأبدًا.
  • القدرة: فالله قادر على كل شيء، ولا يعجزه شيء في الوجود.
  • العلم: فالله عالم بكل شيء، لا يخفى عليه مثقال ذرة.
  • الإرادة: فأفعال الله تعالى تتم بإرادته ومشيئته.
  • السمع: فالله يسمع كل الأصوات، حتى الخفي منها.
  • البصر: فالله يرى كل شيء، ظاهرًا كان أو باطنًا.
  • الكلام: فالله يتكلم، وكلامه أزلي وقديم.
  • التكوين: هذه الصفة تُعد حجر الزاوية في مذهبهم. فهم يرون أن جميع الأفعال المتعدية (التي تتجاوز ذات الله لتؤثر في المخلوقات، مثل الخلق، الإحياء، والإماتة) هي تجليات لصفة واحدة هي التكوين. بينما يرى الأشاعرة، على سبيل المثال، أن هذه الأفعال هي صفات قائمة بذاتها.

يرى الماتريدية أن الصفات التي وردت في الكتاب والسنة وتُشير إلى صفات تُشبه الأعضاء أو الجوارح (الصفات الخبرية)، لا يمكن للعقل إدراك حقيقتها. ولهذا السبب، فإنهم يؤولونها (يُفسرونها بمعنى مجازي) أو ينفون معناها الحقيقي، مُعللين ذلك بأنها لا تدخل في نطاق العقل البشري.


مذهب أهل السنة والجماعة في الصفات الإلهية:

أهل السنة والجماعة، وهم الأغلبية الساحقة من المسلمين، يتبنون منهجًا مختلفًا في التعامل مع الصفات الإلهية. يقوم منهجهم على مبدأ التوحيد، ويرون أن جميع الصفات التي وردت في القرآن والسنة يجب إثباتها كما هي، دون تحريف معناها أو تشبيهها بصفات المخلوقين.

يُمكن تلخيص منهجهم في القاعدة: "إثبات بلا تشبيه، وتنزيه بلا تعطيل، مع تفويض الكيفية وإثبات المعنى اللائق بالله". وهذا يعني أنهم:

  • يُثبتون جميع صفات الله، سواء كانت صفات ذاتية (مثل اليد والوجه) أو صفات فعلية (مثل النزول والاستواء).
  • لا يُشبّهون الله تعالى بخلقه (التشبيه). فإذا أثبتوا لله يدًا، فإنها ليست كأيدي المخلوقين.
  • لا يُعطلون الصفات، أي لا ينكرون وجودها أو معناها الحقيقي.
  • يُفوّضون الكيفية إلى الله وحده. فهم يثبتون المعنى، لكنهم لا يحاولون إدراك كيفية الصفة أو حقيقتها.
  • يُثبتون المعنى اللائق بجلال الله تعالى. فصفة "اليد" تُفهم على أنها القدرة، أو القوة، أو العطاء، بما يليق بعظمة الله.

يستند هذا المنهج إلى قوله تعالى: "لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ" (الشورى: 11). هذه الآية تُعد أساسًا لمذهبهم، فهي تنفي أي مشابهة بين الله وخلقه، وفي الوقت ذاته تُثبت له صفتي السمع والبصر.

يكمن الاختلاف الجوهري بين المذهبين في كيفية التعامل مع الصفات التي لا يستوعبها العقل بسهولة. فبينما يميل الماتريدية إلى التأويل أو النفي، فإن أهل السنة والجماعة يؤمنون بها كما وردت ويفوضون كيفيتها إلى الله، مُسلّمين بها دون محاولة إدراك حقيقتها.

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال