حجر إيكاروس الأثري: رسالة من العصر الهلنستي في قلب الخليج
يُعد حجر إيكاروس (Icarus Stone) من أهم الاكتشافات الأثرية في دولة الكويت، ويمثل وثيقة فريدة تسلط الضوء على تاريخ جزيرة فيلكا ومكانتها كمركز حضاري وتجاري في العصر الهلنستي (الإغريقي).
أولاً: الهوية والموقع والتاريخ
- الموقع الجغرافي والاكتشاف: اكتُشف حجر إيكاروس في جزيرة فيلكا بالكويت، وتحديداً في الموقع الذي كان يُعرف تاريخياً باسم إيكاروس في العهد الهلنستي. وقد تم العثور على هذا الحجر في عام 1960 م على يد البعثة الأثرية الدنماركية التابعة لجامعة موزغارد.
- الحقبة الزمنية والحفظ: يعود تاريخ الحجر إلى العصر الهلنستي، أي ما يقارب 2300 سنة مضت. وحالياً، يُحفظ ويُعرض الحجر في المتحف الوطني الكويتي.
- المواصفات المادية: النقش مدوّن على لوح حجري جيري (أو كتلة حجرية) مستطيل الشكل.
ثانياً: الأهمية الجوهرية للحجر (الوثيقة والرمز)
يستمد حجر إيكاروس أهميته من كونه يمثل دليلاً مادياً ووثائقياً كاملاً ونادراً على العلاقة بين الحضارة الإغريقية ومنطقة الخليج العربي:
1. القيمة اللغوية والتاريخية:
- اللغة: النقش مدوّن باللغة اليونانية القديمة.
- المحتوى: يتكون من حوالي 44 سطراً منقوشة بعناية، وهي عبارة عن رسالة أو مرسوم إداري موجّه إلى سكان الجزيرة (إيكاروس).
- تسمية الجزيرة: يؤكد الحجر أن الاسم التاريخي القديم لجزيرة فيلكا، والذي أطلقه عليها خلفاء الإسكندر الأكبر (السلوقيون)، هو "إيكاروس"، تيمناً بالجزيرة اليونانية التي تحمل نفس الاسم في بحر إيجة.
- أول حاكم موثق: يذكر النقش صراحةً اسم أقدم أمير أو حاكم معروف للجزيرة في تلك الفترة، وهو "انكزارخوس".
2. القيمة الوثائقية والإدارية (محتوى المرسوم):
تُعد الرسالة المنقوشة بمثابة "دستور منقوش"، حيث تكشف عن جوانب الحياة في الجزيرة تحت حكم الدولة السلوقية:
- الجانب الإداري: توجيهات وأوامر من ممثل الدولة السلوقية، "أوكاديون"، إلى حاكم الجزيرة.
- الجانب الاقتصادي والاجتماعي: يتطرق إلى تنظيم الحياة الاقتصادية والاجتماعية، مثل الإشارة إلى الرعي الزراعي (كالعناية بالغزلان) وتنظيمها.
- الجانب الديني: يُشير إلى تأسيس المعابد وإقامة الشعائر الدينية، مما يعكس تأثير الحضارة الهلنستية وعباداتها على الجزيرة (مثل الإشارة المحتملة إلى معبد أرتميس أو الإلهة راعية الجزيرة).
ثالثاً: الاعتراف العالمي (تسجيل اليونسكو)
- الإنجاز التاريخي: تم تسجيل "نقش إيكاروس" ضمن لائحة "ذاكرة العالم" (Memory of the World Register) التابعة لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو).
- الرمزية: يمثل هذا التسجيل أول اعتراف دولي من نوعه بقطعة تراثية وثائقية كويتية، مما يضع جزيرة فيلكا وتاريخها على خريطة التراث الوثائقي الإنساني العالمي.
- التأكيد الحضاري: يعزز هذا الاعتراف القيمة التاريخية العالمية للجزيرة، ويؤكد عمقها الحضاري كامتداد للحضارات القديمة التي تعاقبت عليها (مثل الدلمونية والميزوبوتامية والهيلينستية).
رابعاً: الاستنتاج
يُعد حجر إيكاروس شاهداً حياً على أن جزيرة فيلكا لم تكن مجرد نقطة عبور عابرة، بل كانت مركزاً تجارياً وثقافياً يتمتع بتنظيم إداري واقتصادي متقدم في فترة حساسة من التاريخ، ومحطة التقاء بين حضارة الشرق القديم والحضارة الهلنستية التي نشرها الإسكندر الأكبر في المنطقة.
التسميات
الكويت