إقليم السمارة: من البوابة الصحراوية الاستراتيجية إلى مركز التنمية – استعراض شامل لجغرافية، تاريخ، ونهضة جوهرة الجنوب الشرقي المغربي

إقليم السمارة: بوابة الصحراء المغربية وعمقها التاريخي والجغرافي

يُعتبر إقليم السمارة جوهرة الصحراء المغربية، وشاهدًا على تاريخ عريق يمتزج فيه الماضي بالحاضر. يقع هذا الإقليم في أقصى الجنوب الشرقي للمملكة، ويشكل نقطة التقاء استراتيجية بين الحدود الجزائرية الموريتانية من الشرق، وإقليم العيون من الغرب، وإقليمي طانطان وكلميم من الشمال، وإقليم بوجدور من الجنوب. هذه الموقع الجغرافي الفريد يمنحه أهمية خاصة على الصعيدين الجيوسياسي والاقتصادي.


الجغرافيا والتضاريس والمناخ:

يمتد إقليم السمارة على مساحة شاسعة تقدر بـ 61,760 كيلومتر مربع، وتغلب عليه الطبيعة الصحراوية القاحلة. تتنوع تضاريس الإقليم بين الهضاب الصخرية الشاسعة في الشرق والكثبان الرملية الذهبية الممتدة في الغرب. يتخلل هذه المساحات الشاسعة وادي الساقية الحمراء، الذي يُعدّ شريان الحياة في المنطقة. ينبع الوادي من أقصى الهضاب الشرقية ويشق طريقه نحو المحيط الأطلسي بطول يناهز 400 كيلومتر. تُشكّل المناطق التي تتخللها مياه الوادي، حتى لو كانت موسمية، واحات خضراء تُكسوها النباتات وتُعدّ مراعي خصبة للماشية، مما يخلق تباينًا جميلًا في المشهد الصحراوي العام.

يتميز مناخ الإقليم بكونه صحراويًا جافًا جدًا، وهذا يعود بالأساس إلى موقعه الجغرافي على الحافة الشرقية للصحراء الكبرى، القريبة من الخط الاستوائي. هذا الموقع يجعله يتلقى كميات قليلة جدًا من الأمطار، ويشهد درجات حرارة مرتفعة، خاصة خلال أشهر الصيف.


النمو الديموغرافي والتطور السكاني:

شهد إقليم السمارة نموًا سكانيًا ملحوظًا على مر العقود، مما يعكس التطورات التي عرفها الإقليم بعد استرجاعه. فمنذ عام 1972، حيث كان عدد السكان لا يتجاوز 7,280 نسمة، ارتفع العدد إلى 20,480 نسمة في عام 1982. واستمر هذا النمو المتسارع ليصل إلى حوالي 60,000 نسمة وفقًا لإحصاءات عام 2004. هذا التزايد السكاني يعكس التحولات العمرانية والاقتصادية والاجتماعية التي شهدتها المنطقة، وجذب السكان إليها بفعل المشاريع التنموية.


الاسترجاع التاريخي ورمزية المسيرة الخضراء:

يحتل إقليم السمارة مكانة خاصة في تاريخ المملكة المغربية، كونه من الأقاليم التي تم استرجاعها بعد تنظيم المسيرة الخضراء الظافرة في عام 1975. هذه المسيرة التاريخية، التي دعا إليها الملك الراحل الحسن الثاني طيب الله ثراه، لم تكن مجرد حدث سياسي، بل كانت تعبيرًا عن إرادة وطنية قوية وعزيمة لا تلين لاسترجاع الأراضي الصحراوية المغربية.

لقد أربكت المسيرة الخضراء خطط الاستعمار الإسباني الغاشم، وعجلت بجلائه عن أرض الصحراء المغربية، التي ترتبط ببيعة وولاء وإخلاص ووفاء للعرش العلوي المجيد وملوكه العظام. شكل استرجاع السمارة فصلًا مهمًا في استكمال الوحدة الترابية للمملكة، وتجسيدًا للروابط الأبدية بين أبناء الصحراء وعرشهم العلوي.


السمارة: من مركز ديني قديم إلى محور طرقي حديث

لم تكن السمارة مجرد بقعة جغرافية، بل كانت منذ القدم مركزًا دينيًا وثقافيًا هامًا. تأسست نواتها الأولى على يد الشيخ ماء العينين في نهاية القرن التاسع عشر، بدعم وتوجيهات من السلطان مولاي عبد العزيز. وقد تم تصميم النواة القديمة للمدينة على شكل مربعات، وتقع في الجزء المنخفض من الإقليم، حيث لا تزال زاوية الشيخ ماء العينين قائمة حتى اليوم، شاهدة على تاريخها الروحي والعلمي.

في الماضي، كانت مدينة السمارة تشكل مرحلة مهمة في طريق القوافل التجارية العابرة للصحراء، رابطة الشمال بالجنوب. واليوم، تستعيد المدينة هذا الدور التاريخي لتصل حاضرها بماضيها، وتصبح إحدى المحطات الرئيسية للمحور الطرقي عبر الصحراء. هذا المحور الحيوي يربط المناطق الجنوبية الشرقية بشمال المملكة وبالساحل الأطلسي، مما يعزز من مكانتها الاقتصادية والتجارية، ويسهم في فك العزلة عن المنطقة وتطويرها.


النهضة التنموية بعد الاسترجاع:

شهد إقليم السمارة، في فترة وجيزة بعد استرجاع الأقاليم الجنوبية للمملكة، نهضة كبيرة ومنجزات ضخمة في جميع الميادين. لقد سهرت الحكومة المغربية على تحقيق هذه الإنجازات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والإدارية، والتي تطلبت جهودًا جبارة في بنائها وتشييدها. من الجدير بالذكر أن الاستعمار الإسباني لم يترك أي عمل أو إنجاز يذكر في المنطقة، مما يجعل هذه النهضة أكثر قيمة وأهمية.

توجت هذه الجهود بإحداث عمالة الإقليم بتاريخ 06 غشت 1976 بموجب المرسوم رقم 470-76-2، لتكون نقطة انطلاق نحو بناء مستقبل مشرق لهذا الإقليم العريق.

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال