الضرورة الشعرية في الشعر الحر: الوقف على الاسم المنصوب المنون بالسكون.. لاترد هذه الضرورة في الشعر الحر إلا في آخر البيت وغالبا ما يلجأ إليها الشاعر لتتوافق القوافي



هذا مذهبٌ في الوقف نسبه ابن مالك إلى ربيعة، وجعله لغة لها، والجمهور على أن ذلك ضرورة مختصة بالشعر[1]، ولاترد هذه الضرورة في الشعر الحر إلا في آخر البيت ، وغالبا ما يلجأ إليها الشاعر لتتوافق القوافي [2].

يقول صاحب ابن بطوطة:
سيدتي قد شق لك الأمس مزارْ
فخذيني في أهدابك طيفا ورديا
تطربه الأشعارْ (ص 47)

وقد رأيت كيف حذف الألف من (مزار) المنصوبة لكونها مفعولا به، ووقف عليها بالسكون .
والقرشي يقول:
يتوغل في خاطري لهبا أحمراٌ
وسرابا بديدْ (ص 264)

وفي التضاريس:
كيف أغمد أوردتي في السديم ..
كيف أُخرِجُ من شبق الطين
موتاً يتيمْ ؟؟ (ص 18).[3]

وعند العشماوي :
هَرِمتْ خطانا ياهلالْ
ومدى السعادة لم يزل عنا بعيدْ (ص 13) .[4]

وبَيِّنٌ أن لجوء العباسي والثبيتي إلى هذه الضرورة كان للملاءمة بين القوافي، أما عند القرشي فما ثم قافية يراعيها، وكذلك الحال بالنسبة للعشماوي، والذي يظهر لي أنهما أرادا بهذا الإسكان إشعار القارئ بمدى الأسى والألم، ذلك أن هذا السكون الذي يصطدم به القارئ هو كصخرة اليأس التي اصطدم بها القرشي وهو ييحث عن (سرابه البديد)، والعشماوي وهو يفتش عن مدى (سعادته البعيد)، وبهذا يلقي الجرس الموسيقي بظلاله على المعنى فيزيده وضوحا.

ولعل هذا النموذج مما يؤكد لنا ماسبق أن قررناه من أن الضرورة الشعرية لا تعني اضطرار الشاعر إليها اضطرارا ملجئا لا مفر عنه، وإنما ثم اعتبارات أخرى يراعيها الشاعر.

[1] الضرائر للآلوسي 63.
[2] ظواهر نحوية 52.
[3] انظر للازدياد ص: 17، 85.
[4] انظر (يا ساكنة القلب) ص: 35، 39، 40، 45، 46.