السقوط والغرابة.. التمحور حول الموت والحزن والهزيمة ثم نزوع الشاعر نحو إدخال قيم تعبيرية في النص تبتعد عن المألوف

يتجلى (السقوط) في أساليب تتمحور حول الموت، والحزن، والهزيمة، واليأس، والغربة... كما يتجلّى (الانتظار) في التمحور حول البطل/ الفرد/ المهدي (ابن تومرت، والمهدي بن بركة، وعبد الكريم الخطابي...)، والبطل/ الجمع (الأطفال/ الأمل بالمستقبل...).

وأما (الغرابة) فتعني نزوع الشاعر نحو إدخال قيم تعبيرية في النص تبتعد عن المألوف، وتعني الخروج على الموروث وقواعده الخاصة في الشعر.

الباب الثاني جعله الباحث (مشروع اختراق البنية الثقافية) وهي قراءة خارجية للمتن الشعري في ثلاثة مجالات هي: النص الغائب، ومراحل تكوين المتن الشعري المعاصر بالمغرب، والحدود الخمسة للمجال الشعري.

فـ(النص الغائب) هو الذاكرة الشعرية التي يلتقي فيها القديم بالحديث، والعلمي بالأدبي، والذاتي بالموضوعي، في النص الشعري الذي هو عبارة عن شبكة تلتقي فيها عدة نصوص، مما يجعل قراءة النص بعيدة عن النظرة الأحادية التي تتعامل معه بوعي ساذج لا يقدر على الكشف عن خباياه.

وفي بيان نوعية قراءة الشعراء المغاربة للنص الغائب في شعرهم يستعمل الباحث ثلاثة معايير تتخذ صبغة قوانين هي: الاجترار، والامتصاص، والحوار.

وإذا كان الاجترار قد ساد في عصور الانحطاط، حيث تعامل الشعراء مع النص الغائب بوعي سكوني، واتخذوه نموذجاً جامداً، فإن الامتصاص مرحلة أعلى لأنه ينطلق من الإقرار بأهمية النص الغائب، فيتعامل معه كحركة وتحول يساهمان في استمراره كجوهر قابل للتجدد.

وهذا يعني أن الامتصاص يعيد صياغة النص الغائب وفق متطلبات تاريخية لم يكن يعيشها في المرحلة التي كتب فيها، وبذلك يحيا النص الغائب.

وأما الحوار فهو أعلى مراحل قراءة النّص الغائب، لأن الشاعر لا يتأمل النص الغائب وإنما يغيره.

و(الذاكرة الشعرية) هي أهم مصدر ثقافي عمل في تركيب النص الشعري المعاصر بالمغرب، ولعل أهم أنواع المتون التي انعكست في المتن الشعري المعاصر بالمغرب هي: المتن الشعري العربي المعاصر، والمتن الشعري العربي القديم، والمتن الشعري الأوروبي، والمتن الشعري المغربي.

فالمتن الشعري العربي المعاصر باعتباره الأسبق إلى الحداثة الشعرية، فقد قرأ الشعراء المغاربة شعر السيّاب وأدونيس والبياتي ودرويش وحجازي وعبد الصبور وحاوي... فتسللت نصوصهم الغائبة إلى النصوص التي كتبها الشعراء المغاربة.

وهذا لا يعني استلاب النص الشعري المغربي المعاصر تجاه النص الأساسي، بل هو بعث له.

وأما المتن الشعري العربي القديم فيمارس ـ أيضاً ـ تأثيره على الشعراء المغاربة المعاصرين الذين نجد في أشعارهم صدى للشعراء الجاهليين والأمويين والعباسيين والأندلسيين، بنسب تختلف بين شاعر وآخر.

وأما المتن الشعري الأوروبي فتأثيره على الشعراء المغاربة المعاصرين محدود، لأنه خاضع للمصادفة، على الرغم من أن بعضهم أتقن اللغة الفرنسية أو الإسبانية أو الاثنتين معاً.

وأما المتن الشعري المغربي فيضم جملة من المتون الجزئية يرجع بعضها إلى ماقبل الإسلام، ويلتزم بعضها باللهجات المحلية. إلا أن تأثيره محدود، بسبب رغبة الشاعر المغربي المعاصر في كتابه قصيدة معاصرة بالمفهوم الأوروبي.

كذلك ينهل الشاعر المغربي المعاصر من الحضارة العربية (من القرآن الكريم، والتاريخ، والموروث القصصي والأسطوري، والمعارف العلمية والفلسفية والصوفية...).

ومن الحضارة المغربية (التي تتجلّى في الأحداث والبطولات التاريخية)، ومن الحضارة الأوروبية، وعلى الخصوص: الفكر الوجودي، والفكر الاشتراكي، فالأول أشاعته الترجمات التي نشرتها دار ومجلة (الآداب) في بيروت، حيث نشرت مفاهيم: القلق، والسأم، والضياع، والغربة... من خلال كتابات سارتر، وكامو، وسيمون دي بوفوار... ولم يصمت صوت الفكر الوجودي إلا بعد هزيمة 1967، حيث حل محله الفكر الاشتراكي الذي ركز على أسباب الاستغلال، ودينامية الواقع....

وأما (مراحل تكوين بنية المتن الشعري المعاصر في المغرب) فقد حاول الباحث فيها الجمع بين القراءة التزامنية والقراءة التطورية، لإدراك مجمل الملابسات المحيطة بالمتن الشعري المغربي المعاصر.

ويرى الباحث أن جميع الشعراء المغاربة المجددين قد عادوا إلى المتن العربي في المشرق: قديمه، وحديثه، ومعاصره، بدل الانضواء داخل المتن الشعري المغربي.
وعملية العودة هذه مشروعة.

أما اتصالهم بالغرب فكان عن طريق الشرق، حتى الذين تمكنوا من اللغات الأوروبية كعبد المجيد بن جلون بالنسبة للإنجليزية، ومحمد السرغيني وصبري أحمد بالنسبة للفرنسية، ومحمد الخمار وعبد الكريم الطبال ومحمد الميموني بالنسبة للإسبانية، فقد ظل الشرق نموذجهم الأول، ولعل هذه الوضعية هي التي جعلت الشعر المغربي، حديثه ومعاصره، يبقى مجرد ظل للتجربة الشعرية الشرقية.

ولكن الباحث يستدرك على هذا التصريح الخطير فيرى أنه لا يصدق إلا على شعر الستينات.

وغياب التعريف النظري للشعر نتيجة كون الخمسينات في المغرب مرحلة تحولات ومجابهة ضد المستعمرين. وبعد أن تحقق الاستقلال بدأ الشعور بالخصوصية والتفرد.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال