المراقبة المستمرة في المنظومة التربوية المغربية: مفهوم، دور، وتطور
تُعد المراقبة المستمرة ركيزة أساسية في نظام التعليم المغربي، حيث تشكل جزءاً لا يتجزأ من عملية التقويم التي تشمل أيضاً الامتحانات الموحدة على المستويات الإقليمية، الجهوية، والوطنية. لا تقتصر وظيفة المراقبة المستمرة على تقييم أداء المتعلم فقط، بل تمتد لتكون أداة فعّالة للحكم على جودة النظام التعليمي نفسه، والكشف عن نقاط قوته وضعفه بهدف تحسينه وتطويره. من خلالها، يُمكن إعادة النظر في المناهج والمقررات الدراسية وتصحيح المسار البيداغوجي للمدرّس عبر عملية التغذية الراجعة (Feedback).
المفهوم اللغوي والاصطلاحي للمراقبة المستمرة:
لفهم المفهوم بعمق، يجب أولاً تفكيك المصطلح لغويًا واصطلاحيًا:
- لغويًا: تدل كلمة "المراقبة" على الحراسة، الملاحظة، الرصد، والتدقيق. بينما تعني كلمة "المستمرة" الدوام والثبات والاستمرار على وتيرة واحدة.
اصطلاحًا: تعني المراقبة المستمرة مجموعة من الإجراءات والأنشطة والأنظمة التي تهدف إلى قياس الخبرات والتعلمات التي اكتسبها المتعلم. يتم ذلك عبر معايير كمية (مثل النقطة أو الدرجة) وكيفية (مثل التقدير المعنوي)، بهدف التأكد من مدى تحقق الأهداف والكفايات التعليمية المحددة. في جوهرها، هي عملية تهدف إلى تصويب وتصحيح مسار المتعلم عن طريق تشخيص الصعوبات التي يواجهها وإيجاد الحلول المناسبة لها عبر المراجعة أو الدعم.
بشكل أوسع، المراقبة المستمرة هي تقييم مشترك لكل من المتعلم والمدرّس، فهي لا تكشف فقط عن مستوى التلميذ، بل تقوّم أيضاً أداء المدرّس، مما يساهم في إيجاد صيغة علاجية ناجعة لإنجاح العملية التعليمية والنهوض بالمنظام التربوي.
تاريخ وتطور المراقبة المستمرة في المغرب:
لم تظهر المراقبة المستمرة بمفهومها المركب والمنظم إلا في منتصف الثمانينيات.
- المنشورات الوزارية الأولى: كان للمنشور الوزاري رقم 112 الصادر عام 1986 دور محوري في وضع أول إطار رسمي للمراقبة المستمرة، حيث حدد طريقة التقويم عبر إجراء تمارين نصف شهرية في كل مادة. تبعته المذكرة رقم 114 عام 1987، التي نصت على أهمية المراقبة المستمرة في تقويم التلميذ بشكل منتظم في سلك التعليم الثانوي، وحددت تسعة امتحانات دورية في سلك البكالوريا.
- الميثاق الوطني للتربية والتكوين: مع بداية الألفية الجديدة، أولى الميثاق الوطني للتربية والتكوين أهمية كبرى للتقويم في الدعامة الخامسة، ضمن المجال الثالث المعنون بـ"التنظيم البيداغوجي". قدم الميثاق تصوراً جديداً للتقويم البيداغوجي والمراقبة المستمرة بما يتوافق مع الهيكلة الجديدة للأسلاك التعليمية، مما عكس اهتمام الدولة بتطوير نظام تقويمي أكثر فعالية.
- تطور المفهوم: لم يكن هذا النمط من التقويم غائباً تماماً قبل الثمانينيات، فالتقويم كان دائماً جزءاً من عملية التعلم منذ بداية العملية التعليمية، إلا أن المراقبة المستمرة بمفهومها الحالي الذي يتضمن إجراءات سلوكية وكفائية محددة، هي ابتكار حديث نسبيًا في النظام التربوي المغربي.
دور المراقبة المستمرة في النظام الحالي للتربية والتكوين:
تختلف أهمية المراقبة المستمرة ووزنها في احتساب المعدل النهائي حسب كل سلك تعليمي:
- السلك الابتدائي:
- السنوات الأولى: الانتقال يتم بشكل آلي أو عبر المراقبة المستمرة فقط.
- السنة السادسة: تُعتبر المراقبة المستمرة بنسبة 50% من المعدل النهائي، بينما يتقاسم الامتحان الموحد على صعيد المؤسسة والامتحان الإقليمي النسبة المتبقية (25% لكل منهما).
- السلك الإعدادي:
- السنوات الأولى: تتحكم المراقبة المستمرة في انتقال التلميذ.
- السنة النهائية: يتم احتساب المراقبة المستمرة بنسبة 30% من المعدل، مع تقسيم النسبة المتبقية بين الامتحان الموحد على صعيد المؤسسة (25%) والامتحان الجهوي (25%).
- السلك التأهيلي (البكالوريا):
- الجذوع المشتركة: تعتمد المراقبة المستمرة بشكل أساسي.
- السنوات الختامية: يُخصص للمراقبة المستمرة 25% من المعدل النهائي، و25% أخرى للامتحان الجهوي في السنة الأولى من البكالوريا، بينما يمثل الامتحان الوطني 50% من المعدل.
تجدر الإشارة إلى أن نقطة الصفر في الامتحانات الموحدة على المستويين الجهوي والوطني تعتبر موجبة للرسوب، على عكس المراقبة المستمرة والامتحان الموحد على صعيد المؤسسة.