النظام الديموغرافي التقليدي (البدائي): تحليل خصائص المرحلة الأولى من الانتقال السكاني، وتفسير ظاهرة التوازن بين ارتفاع معدلات الوفيات والمواليد ونتيجتها في النمو الضئيل

النظام الديموغرافي التقليدي: التوازن السكاني في المجتمعات ما قبل الصناعية

يُعد النظام الديموغرافي التقليدي هو المرحلة الأولى والأساسية في أي تحليل للتغيرات السكانية، إذ يمثل الحالة التي تسبق الدخول في مرحلة الانتقال الديموغرافي. ويُشار إلى هذا النظام بأنه النظام الطبيعي أو البدائي، كونه يعكس الخصائص السكانية للمجتمعات التي لم تعرف بعد التطورات الصحية والاجتماعية والاقتصادية الكبيرة التي ظهرت مع الثورة الصناعية وما بعدها.


1. الخصائص الجوهرية للنظام التقليدي:

يتميز هذا النظام بتوازن دقيق بين عمليتي الولادة والوفاة، ولكنه توازن هش وغير فعال، يقوم على مبدأ التعويض السكاني:

أ. ارتفاع معدلات الوفيات (السيطرة البيولوجية):

في هذا النظام، تكون معدلات الوفيات مرتفعة جداً، إذ تتجاوز في غالب الأحيان نسبة (30) في الألف. ويعود هذا الارتفاع إلى عدة عوامل سائدة في المجتمعات التقليدية:

  • انتشار الأوبئة والأمراض: عدم وجود رعاية صحية متقدمة يجعل السكان عرضة للأمراض المعدية التي كانت تجتاح المجتمعات بانتظام.
  • سوء التغذية والمجاعات: ضعف الإنتاج الزراعي، ونقص الأمن الغذائي، وتقلبات المناخ تسبب مجاعات دورية ترفع معدلات الوفيات بشكل حاد.
  • بدائية الظروف المعيشية: غياب النظافة العامة والصرف الصحي الفعال، ونقص المياه النظيفة، كلها عوامل تُسهم في ارتفاع وفيات الرضع والأطفال بشكل خاص.

ب. ارتفاع معدلات الولادات (التعويض السكاني):

في المقابل، تتميز هذه المجتمعات أيضاً بارتفاع معدلات الولادات، التي غالباً ما تتجاوز هي الأخرى نسبة (30) في الألف. إن ارتفاع معدل الخصوبة هنا ليس عشوائياً، بل هو عامل وقائي وتعويضي في وجه الاندثار السكاني المحتمل.

  • الضرورة الاقتصادية: يُنظر إلى الأبناء في المجتمعات الزراعية التقليدية على أنهم أيدي عاملة تساعد الأسرة في الإنتاج، مما يُشجع على الإنجاب.
  • التعويض عن الوفيات: تدرك الأسر أن هناك احتمالية كبيرة لوفاة الأطفال في سن مبكرة (معدلات وفيات الرضع عالية)، لذا فإن الإنجاب المتكرر ضروري لضمان بقاء عدد كافٍ من الأبناء حتى سن الرشد.
  • المعتقدات الاجتماعية والثقافية: غالباً ما تُشجع الثقافة والعادات على الإنجاب المبكر والمتكرر لضمان استمرار اسم العائلة وتوفير الحماية للوالدين في الكبر.


2. النتائج الديموغرافية (النمو الضئيل أو المنعدم):

نتيجة لتوازن القوى بين معدلات الولادة والوفاة المرتفعة، يظهر الأثر الأبرز لهذا النظام:

  • ضعف النمو السكاني الطبيعي: يُحسب معدل النمو الطبيعي (الزيادة الطبيعية) بطرح معدل الوفيات من معدل الولادات. وحيث أن المعدلان مرتفعان ومتقاربان، يكون معدل النمو السكاني ضئيلاً جداً أو حتى معدوماً.
  • التزايد السكاني محدود: هذا يعني أن التزايد السكاني الإجمالي بطيء للغاية، ويكاد يكون في حالة ثبات (Zero Population Growth) على المدى الطويل. ويُفسر هذا لماذا كانت المجتمعات البشرية تنمو ببطء شديد على مدى آلاف السنين.

3. الإطار الزمني التاريخي:

كان النظام الديموغرافي التقليدي هو النظام السائد عالمياً في جميع الحضارات والمناطق حتى نهاية القرن الثامن عشر. ومع بداية القرن التاسع عشر، بدأت بعض الدول في أوروبا الغربية في الانفصال عن هذا النظام، مدفوعة بالتحسينات في الزراعة والصناعة والصحة العامة، لتبدأ بذلك مرحلة الانتقال الديموغرافي نحو النمط الجديد.

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال