تحديد المنظومة المدرسية في أبعادها التنظيمية والإيديولوجية:
الأبعاد التنظيمية للمنظومة المدرسية:
يتعلق البعد التنظيمي (أو الهيكلي والإداري) بـكيفية عمل المدرسة كـمؤسسة اجتماعية لتحقيق أهدافها. وينظر إلى المدرسة على أنها نظام متكامل يتكون من عناصر متفاعلة ومحددة.
1. الهيكل التنظيمي والإداري:
يشمل تحديد هيكل الوظائف والأعمال داخل المؤسسة (وزارة، أكاديميات/مديريات جهوية، مدارس) ويحدد السلطات والمسؤوليات وعلاقات التبعية. الهدف هو ضمان سير العمل بفعالية وتحقيق الأهداف التعليمية.
مكونات أساسية:
- الإدارة المدرسية: المدير، النظار، المراقبون، وتتمثل مهامهم في التخطيط، والتوجيه، والتنسيق، والتقييم.
- الهيئة التدريسية: المعلمون والأساتذة، وهم محور العملية التعليمية.
- الموظفون الإداريون والتقنيون.
- المجالس المدرسية: مثل مجالس التدبير والأقسام والأساتذة، التي تضمن المشاركة في اتخاذ القرار.
2. التنظيم التربوي (البيداغوجي):
يتعلق بكيفية تنظيم العملية التعليمية والتعلمية داخل المدرسة:
- المناهج والخطط الدراسية: تحديد المواد، والمحتوى، والتوزيع الزمني للدروس والأنشطة.
- توزيع الأقسام والأساتذة: وضع الجداول الزمنية وتنظيم استعمال الفضاءات.
- التقويم والامتحانات: تحديد أساليب قياس تحصيل التلاميذ.
3. تنظيم الموارد:
يشمل إدارة واستغلال الموارد المتاحة:
- الموارد البشرية: التعيين، التكوين المستمر، تقييم الأداء (قد يركز على المردودية والفعالية).
- الموارد المادية: البنايات، التجهيزات، الوسائل التعليمية.
- الموارد المالية: الميزانية، ومصادر التمويل.
الأبعاد الإيديولوجية للمنظومة المدرسية:
يشير البعد الإيديولوجي إلى الإطار الفكري والقيمي الذي يحكم المنظومة المدرسية، ويحدد ماذا ولماذا يتم تدريسه. تُعد المدرسة أحد أجهزة الدولة الأيديولوجية المهيمنة (وفق منظور ألتوسير وغيره)، التي تعمل على إعادة إنتاج علاقات الإنتاج والنظام الاجتماعي السائد.
1. الأيديولوجيا المصرح بها (الأهداف المعلنة):
تتجلى في وثائق السياسة التربوية (المواثيق، الرؤى الاستراتيجية) والأهداف الرسمية للمناهج، والتي تركز على:
- بناء المواطن الصالح: الذي يدافع عن الوطن، ويحترم قيمه، ويلتزم بقوانينه.
- تنمية الفرد: جسمياً وعقلياً وأخلاقياً، وإعداده للحياة وسوق العمل.
- غرس القيم الوطنية والدينية والثقافية التي تتفق مع فلسفة المجتمع والدولة.
2. الأيديولوجيا المضمرة (المنهج الخفي):
وهي مجموعة القيم والمعتقدات والممارسات غير المعلنة بشكل صريح، ولكن يتم نقلها وغرسها بشكل يومي عبر:
- المحتوى الدراسي: الاختيار الانتقائي للمعلومات وتأويلها (على سبيل المثال، تمجيد رموز السلطة، أو التركيز على إيديولوجيا معينة).
- الممارسات التربوية: أساليب التدريس التي قد تقتل التفكير النقدي والإبداع وتعتمد على الحفظ والتلقين، مما يرسخ الخضوع والانضباط (الطاعة الهرمية).
- النظام التأديبي والجزائي: الذي يمارس عنفاً رمزياً (بالمعنى البورديوي) يهدف إلى تطبيع المتعلمين مع النظام الاجتماعي.
- اختيار لغات التدريس: الذي قد يعكس تبعية ثقافية أو اقتصادية مهيمنة.
3. صراع الأيديولوجيات:
غالباً ما تكون المنظومة المدرسية مسرحاً لـصراعات فكرية وسياسية (خاصة بعد التحولات السياسية أو الثورات)، حيث تسعى القوى المختلفة إلى:
- أدلجة النظام التربوي: لتكريس رؤاها وأفكارها.
- تغيير المناهج: لتتوافق مع التوجهات الفكرية والسياسية الجديدة.
- المقاومة: قد تنشأ أيديولوجيا مضادة تسعى إلى نقد ومقاومة الإيديولوجيا السائدة في المنهج الرسمي.
باختصار، يمكن النظر إلى المنظومة المدرسية على أنها مؤسسة تنظيمية ذات أهداف واضحة وهيكل إداري، لكنها في جوهرها جهاز إيديولوجي يعمل بوعي أو بلا وعي على صياغة وعي الأفراد والمساهمة في إعادة إنتاج البنية الاجتماعية والسياسية للمجتمع الذي توجد فيه.