ديربي الأندلس: صراع المدينة العريق بين إشبيلية وريال بيتيس
ديربي الأندلس، أو كما يُعرف محلياً بـ "الديربي العظيم" (El Gran Derbi)، هو أحد أكثر المواجهات الكروية شغفاً وتاريخية في إسبانيا وأوروبا. إنه يجمع بين عملاقي مدينة إشبيلية، وهما: نادي إشبيلية (Sevilla FC) و نادي ريال بيتيس بالومبي (Real Betis Balompié).
ديربي الأندلس ليس مجرد مباراة كرة قدم؛ إنه انعكاس لتاريخ طويل من التنافس الاجتماعي والطبقي والجغرافي بين قطبي مدينة إشبيلية عاصمة إقليم الأندلس الساحر. يمثل هذا الديربي جوهرة التنافس في كرة القدم الإسبانية بعد الكلاسيكو، ويشهد أجواء حماسية لا مثيل لها.
الجذور التاريخية والعداوة المؤسسية:
تعود جذور العداوة بين إشبيلية وريال بيتيس إلى فترة التأسيس في أوائل القرن العشرين، وهي عداوة نشأت متأثرة بتباين الطبقات الاجتماعية:
- نشأة إشبيلية (Sevilla FC): تأسس نادي إشبيلية عام 1890، وكان يُنظر إليه تقليدياً على أنه النادي الذي يمثل الطبقة الأرستقراطية والثرية في المدينة.
- نشأة ريال بيتيس (Real Betis Balompié): تأسس النادي باسم (إشبيلية بالومبي) عام 1907، لكنه اكتسب اسمه الحالي لاحقاً. كان يُعتبر تقليدياً ممثلاً لـ الطبقة العاملة والكادحة، ما عزز الفصل الاجتماعي مبكراً وأضفى بعداً عميقاً على العداوة.
- المواجهة الرسمية الأولى: أقيم أول ديربي رسمي بين الفريقين في عام 1915، بعد وقت قصير من اندماج ريال بيتيس (النادي الملكي) مع (إشبيلية بالومبي)، ومنذ ذلك الحين، اشتعل فتيل التنافس ليصبح جزءاً لا يتجزأ من هوية المدينة.
أماكن الصراع: معقلا ديربي الأندلس:
تُلعب مباريات الديربي بشكل أساسي على ملعبي الفريقين اللذين يقعان في المدينة نفسها:
- ملعب رامون سانشيز بيزخوان (Ramón Sánchez Pizjuán): معقل نادي إشبيلية. يتميز بأجوائه الصارخة والمشجعين المعروفين باسم "البلانكوس" (نسبة إلى الأبيض في ألوان النادي).
- ملعب بينيتو فيامارين (Benito Villamarín): معقل نادي ريال بيتيس. يتميز بأجوائه الشعبية ومشجعيه المعروفين باسم "الفيرديبلانكوس" (نسبة إلى الأخضر والأبيض).
التنافس على الألقاب والإنجازات:
على مر التاريخ، تنافس الناديان على الألقاب، مع تفوق إشبيلية في الحقبة الحديثة، بينما يحمل ريال بيتيس شرف كونه أول من حقق لقب الدوري الإسباني في المدينة.
- ريال بيتيس: فاز بلقب الدوري الإسباني (لا ليغا) مرة واحدة موسم 1934-1935، وحقق عدة ألقاب لكأس ملك إسبانيا.
- إشبيلية: فاز بلقب الدوري الإسباني مرة واحدة بعد عقد من الزمن (موسم 1945-1946)، ولكنه تفوق بشكل لافت على المستوى الأوروبي، حيث يُعد الفريق الأكثر فوزاً ببطولة الدوري الأوروبي (يوروبا ليغ) في تاريخ البطولة.
هذا التفاوت في التركيز (محلياً مقابل أوروبياً) يغذي الجدال الدائم بين جماهير الناديين حول من هو "فخر المدينة" الحقيقي.
أبرز سمات الديربي وأجواؤه:
يُعرف ديربي الأندلس بأنه من أكثر الديربيات سخونة على أرض الملعب وفي المدرجات:
- الشغف الجماهيري: تمتلئ المدرجات عن آخرها، وتُعرف جماهير الفريقين بشدة ولائها وحماسها، حيث لا يتوقف الغناء والتشجيع طوال الـ 90 دقيقة.
- الإثارة والتوتر: غالباً ما تكون المباريات مشحونة بالتوتر، وتعرف بكثرة البطاقات الملونة (الصفراء والحمراء) والتدخلات القوية.
- التأثير الاجتماعي: نتائج الديربي تؤثر على مزاج المدينة بأكملها لأسابيع. سعادة حي (نيرفيون) حيث يقع ملعب إشبيلية لا يمكن أن تتعايش مع فرحة حي (هيليوبوليس) حيث يقع ملعب بيتيس.
حوادث لا تُنسى:
شهد الديربي أحداثاً عنيفة أحياناً، أبرزها حادثة عام 2007 في كأس الملك، عندما أُلقيت قارورة ماء على رأس مدرب إشبيلية آنذاك، خواندي راموس، مما أدى لإلغاء المباراة وإعادتها لاحقاً. لكن بعد وفاة لاعب إشبيلية الشاب أنتونيو بويرتا في العام نفسه، شهدت العلاقة بين الناديين نوعاً من الهدوء المؤقت والاحترام المتبادل في ظل المأساة.
المواجهات الأوروبية النادرة:
ازدادت حدة التنافس عندما التقى الفريقان على الصعيد الأوروبي في دور الـ 16 من بطولة الدوري الأوروبي موسم 2013-2014. فاز بيتيس في الذهاب، بينما فاز إشبيلية في الإياب، ليتم الاحتكام إلى ركلات الترجيح التي حسمها إشبيلية لصالحه في طريقهم نحو الفوز باللقب، مما أضاف فصلاً مريراً لقصة العداوة بالنسبة لجماهير بيتيس.
ديربي الأندلس يظل أكثر من مجرد ثلاث نقاط؛ إنه معركة على "فخر المدينة" و "شرف الإقليم"، وهو حدث يوقف الحياة في إشبيلية ويجذب أنظار عشاق كرة القدم حول العالم.