"العلم نور"، و"النور" هدى وبصيرة ووعي، و"الجهل": ظلمات، وثمّة فرق كبير بين الأمرين، فهما لا يستويان مطلقا.. قال الله عز وجل:{ قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون}، وقال تعالى:{ وما يستوي الأعمى والبصير* ولا الظلمات ولا النور* ولا الظل ولا الحرور* وما يستوي الأحياء ولا الأموات}.
وإن مستوى الوعي عند الإنسان، يتحدّد بمستواه العلمي، فكلما ازداد علما ازداد وعيا وفقها ومعرفة، لذلك أرشد الله تعالى رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم، إلى طلب الزيادة في العلم فقال له:{ وقل ربّ زدني علما}، وهذا إرشاد للأمة كلها، وحثّ لها على تحصيل العلم، والاستزادة منه دائما.
و"الشباب" هم طلبة العلم في الغالب، فهم تلاميذ المعاهد والجامعات، وهم المتخرجون وحملة الشهادات، وهم حاملو أمانة العلم، ومسؤولية تعليم الأجيال، فبمقدار علمهم يعلّمون، وعلى حسب مستواهم ومعرفتهم يدرّسون ويربّون، فكلما كان المستوى العلميّ لدى "الشباب" عاليا، كانت قدرتهم على الإعطاء أقوى وأكبر.
لقد جزمنا من خلال عنوان هذا البند، بأن المستوى العلمي قد تدنّى وهبط، وهذا ما قد يستغربه الكثيرون، وربما اعتبروه غير صحيح.. مستندين في ذلك الى: وجود هذه الأعداد الكبيرة من المدارس والمعاهد والجامعات، على اختلاف اختصاصاتها العلمية، وإلى: الأفواج التي لا تكاد تحصى من الطلبة في بلاد المسلمين..
إن ردّنا على هؤلاء، لا ينطبق من معارضة في " أرقام عددية" للمعاهد والجامعات، أو: للطلبة والمتخرجين، فنحن لا نناقش في "الكم والعدد"، ولا ننكر وفرة دور التعليم، وكثرة المتعلمين، ولكننا بنينا حكمنا بتدنّي المستوى العلمي في عصرنا، على ما يسمّى بـ "النوعية.."، أي: على مستوى البرامج المقررة، والنتجية العلمية التي يحصل عليها الطالب في آخر المطاف، ونطرح بالتالي هذا السؤال: هل الشاب المتخرج بشهادة علمية ما، هو فعلا بالمستوى العلمي الصحيح لتلك الشهادة؟؟.. أي: هل حصّل ذلك الطالب علما يوازي مستوى الشهادة الورقية التي منحت له؟؟..
إننا لا ترى أن العلوم التي يحصّلها "الشباب"، هي بمستوى الشهادات التي تمنح لهم، ولا نرى أن " الشاب" المتخرج قد استوعب العلم الذي تخصص فيه، إلا ما ندر.. والنادر لا حكم له.. وهذه كارثة حلّت بالشباب، لا يد لهم فيها، ومكيدة دبّرت بحقهم، وهم لا يعلمون.
نقول هذا، لا لنلقي اللوم والمسؤولية على " الشباب"، وإنما لنبين: أن " الشباب" هم الضحية، وأن الذين مسخوا.. البرامج.. والمقررات.. والمواد.. وساعات التدريس.. وسنوات التعليم.. لم يريدوا بالأمة من خلال شبابها إلا السوء والأذى.
فتحت شعار "التطوير" أو: "التحديث.."، مسخت المقررات، وطار العلم.. وحدث التجهيل المنظّم.. ضمن خطة خبيثة محكمة، أعدّها أعداؤنا ونفّذوها بدقة.. فصارت الدراسات عبارة عن "أخذ فكرة.." عن العلوم، لا أكثر ولا أقل، أي: مجرد تعرّف على العلوم المقررة، حتى العلوم الشرعية، لم تنج من أيدي العابثين، والقصد من ذلك كله: تخريج أفواج غير عالمة.. لا بعلوم الدين.. ولا بعلوم الدنيا.. ومعلوم كم الخطر كبير من مثل هؤلاء، على الأمة وأجيالها، وقد حذرنا النبي الكريم صلى الله عليه وسلم من مثل هؤلاء، فيما رواه البخاري ومسلم، عن عبدالله بن عمرو بن العاص، رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:" إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من الناس، ولكن يقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالما، اتخذ الناس رؤساء جهالا، فسئلوا فأفتوا بغير علم، فضلّوا وأضلّوا".
إننا نفتقد في " شبابنا" العلماء بحق في جميع العلوم، فأين علماء الدين؟؟.. وأين الأدباء والشعراء؟؟.. وأين الباحثون والمخترعون؟؟.. بل: وأين الضباط والعسكريون الأفذاذ؟؟.
إننا نعجب كل العجب من واقعنا العلمي المتخلف.. وواقع الغرب العلمي المتقدم. ونحن المؤسسون للعلوم.. الروّاد في جميع المجالات والإختصاصات...
إننا نرى في بلاد العرب خاصة والمسلمين عامة، أن في طريق العلوم عوائق.. وحواجز.. بينما سبيل العلم في الغرب مفتوح على سعته.. ونرى "الامتحانات" أشبه بالألغاز.. لتعجيز الطالب. وتفشيله وإدخال اليأس من نفسه في قلبه.
وهنا نسأل: هل هكذا تعلم سلفنا وعلموا؟؟.. هل كانوا يعطون " الإجازة.." لأي " طالب"، كتب على أوراق "الإجابة" كلاما وافق السؤال، ولو من دون علم؟؟.. هل كانوا يلقنون الطلبة من كل علم مسائل منثورة، ومعلومات عامة متفرقة.. هل كانوا يمتحنون الطلبة بـ "المقروء.." من "المقرر.." فقط، وهو القليل من الكثير؟؟.. الجواب عن كل ذلك هو: لا.. لم يكن أمرهم كذلك، بل كان "العلم" يطلب من المهد الى اللحد.. وشعارهم: أعط العلم كلك ليعطيك بعضه. ومن طلب العلى سهر الليالي.. وكان الهدف الوحيد عندهم: طلب العلم لوجه الله تعتالى، وابتغاء رضوانه، فكان في علمهم كل البركة والخير، فنفعهم الله تعالى بعلمهم، ونفع لهم الأمة، وكانوا خير أمناء على حمل العلوم.. إلى الأجيال.
لذلك ندعو الى تعديل جذري لأساسات التعليم، واعتماد مناهج ومقررات وافية، وإلى إعطاء الطلبة الوقت الكافي لدراستها وإتقانها، وإلى فتح أبواب العلوم على مصارعها أمام الطلبة، ومنحهم كل الرعاية والإهتمام، ليتخرّجوا "علماء" بكل معنى الكلمة.
التسميات
أزمات الشباب