المناسبات لا تنسي الأحزان.. دعوة للتصافح والتسامح في وقت الأجمل فيه رؤية ابتسامة من القلب

النفوس البشرية عرضة للتغيير طالما أنها تتأثر بما حولها من ظروف، سواء كانت هذه الظروف إنسانية أو مادية فهي في النهاية تترك آثارها في النفس وتغير في أحيان كثيرة من طبيعتها التي عرفت بها سواء حمل التغيير ايجابيات أو سلبيات.
ولعل من الأمور التي نأسف لها ونشعر بها تؤثر فينا تأثيرا كبيرا وعميقا في الوقت نفسه هو تغير النفوس من حولنا عن طبيعتها، وفي كيفية تعاملها معنا بشكل يختلف عما اعتدنا عليه منها دون أن نعرف أسباباً أو دواعي لذلك التغيير، خاصة ان كانت العلاقات التي تربطنا بتلك النفوس وثيقة تحمل في طياتها تفاصيل لا يمكن نسيانها أو حتى اختزالها في مساحة صغيرة من الذاكرة، ذلك أنها نفوس سكنت النفوس، وأرواح سكنت الأرواح فباتت قريبة إلينا وكأنها جزء منا.
في اللحظات التي نشعر فيها بذلك التغيير الذي يعتصر قلوبنا نتساءل: يا ترى كم سنعيش في هذه الحياة لنبقى بين رضا وسخط ولوم وعتاب؟ وكم بقي من الزمن الذي نملك فيه رد النفوس إلى أحوالها؟
وكم من الأوقات الباقية التي يمكننا أن نعوض فيها أياماً أضعناها في خصام ما كنا سنسلم أنفسنا إليه لو كانت لدينا قناعة بأن هذه الدنيا زائلة لا تستحق أن نبقي في أنفسنا مساحة ضيق لأي سبب كان، فقد خلقنا فيها لغرض العبادة، وجئنا إليها ضيوفاً وزائرين لا مخلّدين، فهل نغتنم هذا العيد لنحيل أنفسنا لتغيير من نوع آخر تصفو فيه النفوس وتعود إلى طبيعتها، تاركة خلفها عوارض لا تستحق الوقوف عندها أو تخصيص مساحات كبرى لها؟
هل ننسى جروحا وأخطاء تسبب فيها بعضهم فتركوا آثاراً مؤلمة في نفوس لم تعتد على ذلك؟ هل نغفر ونعفو ونبادر لصفح لا يمكن أن تحلو الحياة دونه؟ هل نذكر جميل من تغيرنا تجاههم فنبدد مساحات العتب تلك التي تضيع الوقت علينا وعليهم؟ هل نجدد قناعتنا بأن الدنيا فانية ولا تستحق منا أن نكابر ونجافي من جمعنا بهم موقف، ومن لهم في نفوسنا مساحات من الحب والتقدير الكبيرين؟
نأمل أن يكون هذا العيد صفحة جديدة لكثيرين ممن أخذتهم الدنيا على حين غرة، فزينت لهم التغيير على من حولهم، وزينت لهم التجافي والتباغض، وجعلت صغار الأمور في نظرهم كبيرة، وقضت على ملكة العفو تلك التي جبلنا عليها كخلق لا نملك العيش بدونها وإلا أصبحت حياتنا أشبه ما تكون بحرب لا تنطفئ نيرانها، ولأقمنا في الحياة فرادى بعد أن تقطعت سبل الاتصال بمن حولنا.
قال الشاعر محمد الأسمر:
هذا هو العيد فلتصفُ النفوس به
وبذلك الخير فيه خير ما صنعا
أيامه موسم للبر تزرعه
وعند ربي يخبي المرء ما زرعا
وبددوا عن ذوي القربى شجونهم
دعا الإله لهذا والرسول معا
أبيات الشاعر تقدم دعوة مفتوحة لتصفو القلوب، دعوة مفتوحة للبر الذي لا يندم زارعه عندما يحتسب أجره عند الله عزّ وجل، دعوة مفتوحة لتبديد الشجون ونسيان الأحزان، دعوة للتصافح والتسامح في وقت الأجمل فيه رؤية ابتسامة من القلب، وسلام من أعماق الجوارح تلك التي تتجاوز أي ضيق وكدر.. دعوة نتمنى لو يلبيها الجميع في هذا العيد.. وكل عام وانتم بخير.

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال