لا أعتقد أنه يوجد أمام العراق أي فرصة غير الثبات على موقفه المبدئي والواضح والصريح لرفع الحصار نهائيا لأنه من غير المعقول القبول بعودة جواسيس أمريكا والكيان الصهيوني الذين تسببوا في الدمار وإطالة أمد الحصار الجائر المفروض على العراق منذ انسحابهم في منتصف شهر كانون الأول/ديسمبر عام 1998 لا كما يدعي البعض بأن العراق طردهم ومنذ ذلك التاريخ والى اليوم وأمريكا وبريطانيا يقصفون العراق. ولحل المشكل برأيي يجب تقديم ضمانات خطية دولية محددة وواضحة، وعلى وجه الدقة يجب ان تكون من دول أوروبية مثل ألمانيا وإيطاليا وأسبانيا والسويد ومعهم كذلك كل من الصين وروسيا وفرنسا على اعتبار أنهم من الدول ذات صفة دائمي العضوية في ما يسمى مجلس الأمن الذي تسيطر عليه أمريكا بدعم بريطاني يضاف لهم الدعم العربي والضمانات الكاملة من سوريا ومصر تحديدا، ومن السعودية ودول الخليج ما عدا جماعة حكام الكويت، هكذا اعتقد بعد مراجعتي لتطورات الأوضاع الدولية وفي المنطقة العربية وإلا سيتم ضرب العراق لتغيير الوضع العربي برمته كي يركع أكثر للصهاينة وللبنك وصندوق النقد الصهيونيين..
هكذا قال لي محدثي الذي يزورني بين فترة وأخرى وهو من المتابعين لكافة نشرات الأنباء العربية عبر الإذاعات الملتقطة على الموجات القصيرة أو في محطات التلفزة الفضائية وفي الصحف التي تصدر في هذه الديار.
وتابع محدثي قائلا: لأن المجرم شارون واللوبي الصهيوني في أمريكا يريدون السيطرة الكاملة على الاقتصاد والثروات الطبيعية في كل مكان من هذا العالم كما فعلوا بحجة القضاء على (الإرهاب) حيث احتلوا أفغانستان كي يسيطروا على ثروات الدول المجاورة الغنية بالنفط والذهب والغاز وغير ذلك من ثروات طبيعية هناك، وفي الوقت نفسه كي يضعوا قواعد عسكرية ضد الصين وهي العملاق القادم الذي سيواجه أمريكا، وكذلك ضد روسيا التي تخيف الأمريكان لأن هناك بوادر تدل على عودة الوعي في المناطق التي كانت تسمر الاتحاد السوفياتي سابقا.. وكما فعلوا أيضا في الصومال وفي اليمن حيث القواعد الأمريكية في الجزر المجاورة لتلك البلاد التي من خلالها باتت تسيطر أمريكا على إفريقيا وعلى البلاد العربية وعلى البحر الأحمر الممر الأساسي لقناة السويس، وإذا نظرنا إلى خارطة العالم نجد انه بعد 11 أيلول/سبتمبر أصبح العالم كله تقريبا محطات لقواعد أمريكا التي تنطلق منها القاذفات والصواريخ البعيدة المدى لدك هذا البلد أو ذاك في حال رفضه السيطرة على اقتصاده وخيراته الطبيعية، وها هم اليوم يريدون السيطرة على جنوب شرق آسيا من الفلبين والمحيطات والبحار هناك بحجة مكافحة الإرهاب خوفا من تجمع دول الـ (17) المنوي إعلانه رسميا كما هو مقرر عام 2005 على غرار السوق الأوروبية المشتركة!!.
وأضاف محدثي عن الوضع في البلاد العربية: الصهاينة يريدون اعتراف رسمي ومصدق من الدول التي ستجتمع في قمة بيروت بأنهم هم أسياد الأرض العربية من المحيط إلى الخليج، وعمليا يمكن القول أن ذلك قد تحقق لهم، لأن معظم الدول اعترفت بـ (اسرائيل)، وبعضهم أقام علاقات اقتصادية وافتتحوا مكاتب وسفارات وقنصليات للكيان الصهيوني، لذلك فأن مبادرة الأمير عبد الله الأخيرة هي للتأكيد على ذلك حيث تسارعت الدول العربية دون استثناء لدعمها وتأييدها وفرض أمر واقع على الشعوب العربية أو قل تهيأتها للقبول بها، وكذلك الدول الغربية بدأت بتأييدها وخاصة الأوروبية، كما أيدتها هيئة الأمم المتحدة!!. مع العلم أن مبادرة الأمير عبد الله ليست بجديدة على الأنظمة العربية فهي تقررت في مؤتمر قمة القاهرة عام 1996 ووافقت عليها كافة الدول العربية ما عدا العراق آنذاك، وإنما الجديد فيها هو عدم ذكر قضية اللاجئين الفلسطينيين وعدم ذكر موضوع توطينهم، مع اعتقادي بأن ذلك سيتم بأن تدفع الدول العربية النفطية وتحديدا الخليجية التعويضات لهم، وأمريكا واستراليا وكندا ستأخذ القسم الأكبر منهم لتوطينهم، والباقي سيتم توطينه في البلاد العربية وفي عدد من الدول الأوروبية، من هنا كانت الطروحات الأمريكية في الأعوام الماضية لتوطينهم في الأماكن التي هم فيها أولا، فتم توطين حوالي مائة وعشرة آلاف شخص منهم حوالي (75) ألف فلسطيني في لبنان أيام حكم الرئيس الهراوي وحكومة الحريري في منتصف التسعينات على ما اعتقد، ومنذ فترة مطروح على لبنان أن يقبل بتوطين (25) ألف آخرين من أصل حوالي 366 ألف فلسطيني في لبنان مقابل توطين (25) ألف لبناني في ألمانيا من الذين هاجروا أو هجروا خلال الحرب اللبنانية، وتوزيع الباقين منهم في البلاد العربية وتحديدا في العراق، على أن يتم توطين الفلسطينيين المتواجدين في الدول العربية بحسب طاقة الاستيعاب فتأخذ كل منها حصتها، وتوطين حوالي مليوني فلسطيني في جنوب وشمال العراق وفي منطقة الرمادي المحاذية للحدود الأردنية كما أتصور وحوالي أكثر من مليون في منطقة الأزرق الأردنية، والباقون كما ذكرت يتم تهجيرهم إلى استراليا وكندا وأمريكا وعدد من الدول الأوروبية وهي حوالي 40 دولة في العالم تسمى دول المهجر وقد شكلت منها لجنة لهذا الخصوص بعد توقيع اتفاقية أوسلو!!..
وتابع محدثي: على الرغم من كل الذي خطط ويخططون له دهاقنة الساسة الصهاينة وجدوا بأن الشارع العربي لم يقبل بذلك ولم يرضخ مثلما رضخت معظم الأنظمة حتى الآن، كما لم يرضخ الشارع الفلسطيني الذي انتفض منذ أكثر من سنة ونصف السنة تقريبا، مما أشاع الذعر في قلوب عتاة الصهاينة وكل الإدارات الأمريكية التي سعت كل جهدها السياسي والاقتصادي والمعونات الكبيرة التي تقدمها لعدد من الدول العربية السائرة في الركب الأمريكي إن من خلال صندوق النقد والبنك الدوليين أو من خلال ربط الدول العربية بمنظمة (الغات) وغير ذلك من مسائل اقتصادية، وأود أن أخبرك بأن المعونات الأمريكية معظمها ليس مادي بل هو أسلحة ودبابات ولكن ليس صواريخ أو طائرات، بمعنى آخر أن ما تقدمه أمريكا تحت مسمى معونات ومساعدات هو آليات حربية لا فائدة منها عمليا في أي حرب لأنها بسهولة يمكن تدميرها بالصواريخ أو لن تعمل بسبب عدم وجود قطع الغيار لها وبسبب عدم وجود العتاد العسكري لها!.. لأن الصواريخ والطائرات هي عماد أي حرب في هذا القرن لذلك نرى أمريكا تستعملها ضد أفغانستان وضد العراق عن بعد.. بينما الدبابات والمجنزرات لا أعرف أين يمكن استعمالها سوى ضد الشعوب لتفريق التظاهرات ولفرض حالة الطواريء في البلاد!!..
وقال محدثي: على الرغم من ذلك وجدوا بأن الشارع المصري والشارع الأردني لم يقبل عمليا بالتطبيع مع الكيان الصهيوني على الرغم من كل ما تقدمه الفضائيات العربية المرتبط معظمها بالنظام العالمي الجديد.
وما يحدث في الأردن وفي مصر وفي المغرب وتونس واليمن ولبنان وعدد آخر من البلاد العربية من انقسامات واضحة في وسائل الإعلام حتى في بلاد المصالحات الخليجية حول القضية الفلسطينية وحول العراق دليل على أن الشارع العربي لم ولن يرضخ مهما جرى..
أما بخصوص العراق لأنه إلى الآن ما زال قادرا على التأثير في الشارع العربي لذلك تجد القوى والشخصيات والمفكرين العرب الأحرار والشرفاء منهم في العالم يحطون رحالهم في بغداد حيث يتنفسون نقاء القومية العربية بنسب مختلفة، مما جعلهم يعيدون النظر في كل ما جرى منذ عام 1990 وحتى الآن بسبب صمود العراق أمام قوى الشر والطاغوت الامريكي البريطاني الصهيوني، فوجدوا أنهم يمكن لهم أن يصمدوا مع العراق ليناهضوا الاستعمار والامبريالية والصهيونية.. وعمليا هذا ما لا تريده قوى الشر في العالم بقيادة أمريكا، لذلك قررت أمريكا أن تنهي النظام العراقي لترتاح برأيها وتسيطر على البلاد العربية.. من هنا تجد اليوم الأحرار والشرفاء في العالم وبنسب مختلفة يتسارعون للدفاع عن العراق وربما بعضهم ليس حبا فيه أو بنظامه ولكن للدفاع عن أنفسهم.. لذلك سمعنا منذ أيام قلائل أحد الرؤساء عرب اللسان يقول "كفاية حديث عن الاستعمار والامبريالية دا كلام فاضي"!!.
وبعد فترة من الصمت بانتظار أن أعلق على كلام محدثي لم أنبس فيها ببنت شفة.. تابع محدثي بزهو قائلا:
إذا طالعت كلمات بوش وباول وتشيني ورامسفيلد وأذنابهم تجد أن الخطة جاهزة لضرب العراق وكلهم يعملون الآن على الاتصال بأنظمة الذل والاستسلام العربية التي تخاف ردة الفعل من الشارع العربي، مع العلم بأن الأمريكان اكتشفوا بأن ليس للشارع العربي أي وزن بحسب تقديرهم لأنه على الرغم من كل ما جرى في فلسطين المحتلة من مجازر وجرائم بشعة ضد الشعب الفلسطيني وتدمير بيوت وجرف أراضي واقتلاع الأشجار وانتهاكات للأماكن المقدسة وتدمير المساجد طيلة العام الماضي لم يحرك خلالها الشارع العربي أي ساعد سوى تقديم بعض الأموال والمعونات التي وصلت إلى أحد المصارف هناك ولم يصل منها سوى القليل للشعب الفلسطيني والباقي ذهب إلى الفاسدين في من رجال السلطة، كما أن معظم المساعدات من أدوية ومادية محتجزة في الأردن، عل الرغم من وصول كميات من الأدوية والمساعدات المادية من العراق بطرق خاصة ولكن ذلك لا يكفي!!.. وما تصريح الأمير عبد الله بن عبد العزيز سعود حول عدم موافقته على ضرب العراق إلا بموافقة مجلس الأمن إلا دليلا على أنهم يخافون الشارع العربي، أو ربما هي استفتاء بطريقة جديدة لمعرفة رد فعل الشارع العربي، أو ربما هي فقاعة لامتصاص نقمة الشارع لذلك قال ما قاله من الناحية الإعلامية فقط، وكذلك صالح اليمن يصب كلامه في نفس الاتجاه والبقرة الضاحكة أيضا كذلك.. أما النظام السوري فهو الأمر المحير في هذه المعادلة الصعبة، فهو أعلن أنه ضد ضرب العراق وفي الوقت نفسه أمريكا لم تضعه مع الدول التي من المقرر ضربها تحت مسمى (محور الشر)، في الوقت الذي تعمل فيه ضده في لبنان وفي مجلس الأمن، وتتعاون معه على صعيد أجهزة الاستخبارات بحجة مكافحة (الإرهاب)، فكيف يمكن أن أفسر لك الموقف السوري صدقني لا أعرف فهو يشكل لي لغز..
حمدت الله معتقدا بأن محدثي انتهى من موعظته وهممت بأن أشكره ولكنه لم يدع لي مجالا كي أفتح فمي شاكرا، فقال متابعا: هذا باختصار شديد ما أردت أن أقوله فهل يمكنك أن تكتب عن كل ما أخبرتك به لتنور الرأي العام العربي أولا لأنه في واد سحيق والأنظمة في واد آخر..
أيضا ما أن أومأت برأسي كي أقول له بأنني سأفعل إلا أنه قاطعني فقال: يمكنك أن تضيف عن العربان ومحطاتهم الفضائية وصحفهم التي يتحدثون فيها عن الحريات والديمقراطية ويتحاورون باسم الشعوب وبث برامج اللهو والتسلية وكيف تربح المليون، وهم في الحقيقة يكرسون واقع جديد يؤدي إلى مزيد من الخلافات والتشرذم وتفكك الأسرة والعائلة، في الوقت الذي تشن فيه فضائيات ووسائل إعلام الغرب عموما والأمريكي على وجه الخصوص حملات تعبئة للرأي العام مؤيدة للكيان الصهيوني وضد العرب والمسلمين على مدار الساعة وتسميم الرأي العام ضد العراق، أرجو أن تكتب عن الفضائيات العربية وتقول لهم كفانا هم الهجرة والابتعاد عن الوطن، لأننا نعيش في مأساة حقيقية في هذه الأيام سببها أولئك المتطفلين الذين يظهرون في الفضائيات ويعتقدون أنفسهم فلاسفة زمانهم، فذاك يعتبر نفسه صحافي أو دكتور وما شابه من ألقاب، وهذا يدافع عن الديمقراطية وهو لا يعرف عنها أي شيء لأنه بحكم وظيفته المشكوك في كيفية توظيفه في هذه الجامعة في باريس أو تلك التي في أمريكا ويشن الحملات الظالمة على الوطن وعلى هذا النظام العربي أو ذاك، وذاك يحلل ويحرم على كيفه، وتلك تتحدث عن حرية المرأة وحقوق الطفل وبالأساس هي (...) استغفر الله.. ولا يوجد عندها أطفال ولا تعرف معنى الأمومة!! معتقدين جميعهم بأن اللقب الذي يحملونه شيء كبير وأن الناس تستمع لهم لأنهم يتحدث من واشنطن أو من باريس أو من الرياض، فنحن نعرف دون أي سفسطة من هو الرئيس أو الوزير أو رئيس الوزراء أو الملك والأمير الجيد وغير الجيد.. كما أرجو أن تقول لهم أنه مهما كانت الظروف ومهما حدث فيما بين الدول العربية لا نريد أي تدخل لا من فرنسا ولا من لندن ولا من البيت الأبيض ولا من كائن من كان ومهما كان خصوصا أولئك الذين يسمون أنفسهم معارضة، لأن المعارض الحقيقي هو الذي يبقى في بلاده ويموت هناك مقابل إثبات أنه على حق، فها هي المعارضة تعمل في البلاد العربية وتقول ما تريد في مصر وفي الأردن وفي اليمن وفي لبنان، صحيح لا يطلع من أمرها شيء إلا أنها موجودة وتعمل بحرية معقولة ومقبولة، وأنه في النهاية لن يصح إلا الصحيح مهما كانت الظروف، وليتركوا للشعب العربي أن يختار النظام الذي يريده والرئيس أو الملك الذي يختاره فسكان مكة أدرى بشعابها.. والشعوب العربية لا ولن نقبل أن يفرض على البلاد العربية أي نظام من الخارج مهما كانت صفات ومواصفات الأنظمة العربية الراهنة..
وأخيرا أرجو ألا أكون قد أطلت عليك وأنه يكفينا نواح وبكاء على الأطلال ويجب عمل شيء وتحريك الضمير العربي وإعادة الروح للشارع العربي المنهار نفسيا واقتصاديا.. ربما يقول قائل أن لواقع شيء والكلام شيء آخر وأن الذي يأكل العصي غير الذي يعدها ولكن هذا قدر المناضل الحقيقي وقدوة النضال العربي هو الشعب الفلسطيني المناضل ضد الاحتلال..
صحيح أن المطلوب في البلاد العربية إطلاق الحريات واحترام حقوق الإنسان والقضاء على الفساد وتوسيع دائرة سلطة اتخاذ القرار لتشمل القوى الشعبية والجماهيرية المؤثرة من منظمات وأحزاب وجمعيات وليس ممثلي الشعب في البرلمانات فقط الذين عليهم أن يعودوا للشعب الذي انتخبهم لدراسة وبحث أي مستجدات في الساحة الوطنية أو القومية، إضافة إلى ما هو مطلوب يجب تعزيز سلطة القضاء واستقلاله وتحسين الخدمات العامة وغير ذلك من قضايا أساسية مثل التعليم على نفقة الدولة في كافة المراحل التعليمية، والقضاء على المرض بإيجاد المستشفيات والأدوية والأطباء أيضا على نفقة الدولة كما كان يفعل العراق قبل العدوان وقبل فرض الحصار عليه، وعدم التعامل مع المرضى كأسياد وعبيد لأن العشرات يموتون اليوم على أبواب المستشفيات أو في بيوتهم لأنهم غير قادرين على دخول المستشفيات لا في لبنان ولا في أي بلد عربي آخر، وكم من عائلة تنام ولا يوجد لديها أي طعام بينما آخرون يمرضون أو يموتون من التخمة!!.. ولتحقيق كل ذلك يجب على الدول العربية أن تتخذ قراراتها بما لا يتعارض مع قرار أي بلد عربي آخر، بمعنى آخر يجب أن يكون قرار هذا البلد متمم لقرار ذلك البلد كي يتم التأسيس من جديد لقومية عربية في القرن الحادي والعشرين إذ بدون العمل العربي الجماعي والموحد لا يمكن تحقيق الذات العربية..
رن جرس الهاتف في مكتبي رفعت السماعة، فنظر إلي محدثي وكأنه يريدني ألا أرد على الهاتف وتابع قائلا: إن تكميم الأفواه في السياسة فقط ماشي في كل مكان حتى في استراليا باسم القانون والحفاظ على المجتمع وإلا يعتبرون ذلك ضد السامية ولهذا بحث طويل سأخبرك عنه في وقت لاحق، المهم أنه كلما زاد الضغط على الجماهير وتكميم الأفواه وتقنين حرية الكلام سيؤدي برأيي إلى صحوة عالمية وتغيير في العالم على مستوى كبير، وأن المواطن العربي في بلده الأم أو في المهاجر بات يعرف أن الأنظمة العربية أصبحت أداة بيد الإدارة الأمريكية، وهي تستعمل أسلوب الغرب في وسائل الإعلام فتسمح لهذا ان يصدر جريدته وذاك مجلته ليكتب فيها ما يشاء نقدا وأدبا دون أن يمس موقف رئيس النظام الحاكم إذ يحق له أن يبهدل ويشرشح هذا الوزير أو ذاك أو أي من رجال السلطة ويستشهد بموقف الملك أو الرئيس أو الأمير فلا يثير ذلك أي زوابع تؤثر على مسيرة النظام في العلاقات الدولية أو في بيع البلاد والعباد لصندوق النقد والبنك الدوليين!! فقط المهم هو أن يشيد بموقف رأس النظام وهي جواز المرور والطبع والنشر وإلا كان الله في عونه.. هذا لا يعني أننا في أستراليا أحرار أو في الغرب بشكل عام لأنه هنا يمكنك أن تكتب وتقول ما تشاء في صحيفتك فقط أو في اجتماع مصغر ولكن الصحف الكبيرة والواسعة الانتشار التي تطبع أكثر من (100) ألف نسخة يوميا فلا تنشر لك حتى في صفحة (آراء حرة) أو في صفحة (إلى رئيس التحرير)!!. وحتى الإذاعات ومحطات التلفزيون لا تستقبلك كي تعبر عن رأيك بصراحة، وإذا حدث مرة ودخلت على الخط فيقطعون المكالمة فوراً أو يعتذرون للمستمعين عن هذا الخطأ أو العطل الفني الطاريء!! وأحيانا يسمحون لك بمداخلة لثوان معدودة بينما يسمحون للطرف الآخر المعادي للعرب والإسلام والمؤيد للكيان الصهيوني بالتحدث وشرح وجهة نظره لفترة طويلة من الوقت دون أي مقاطعة أو انقطاع للخط، وفي الوقت نفسه يسمحون لأي كان أن يشرح وجهة نظره على أن يقول أنه "على (اسرائيل) وعلى الفلسطينيين الجلوس معا لحل المشاكل العالقة وبحث سبل السلام وإيقاف العنف"!!.. هذا إذا كان الموضوع يتعلق بفلسطين المحتلة، أما إذا كان الأمر يتعلق بالعراق فهنا الطامة الكبرى فهم يسمحون بالحديث فقط عن النواحي الإنسانية بحرية مطلقة ولكنهم لا يسمحون لك بالحديث عن أسباب نقص الغذاء والدواء أو حتى اتهام الولايات المتحدة وبريطانيا وأنهم السبب الأساسي في تعطيل وصول المواد الغذائية والأدوية من خلال اللجنة التي تحمل الرقم 661..
وبعد أن انتهيت من حديثي الهاتفي وجدت صاحبنا ما زال يتحدث ثم قال آسف على الإزعاج أستاذ أريد أن أعرف شيئا واحدا من حضرتك وهو أن الأمريكان قالوا أنهم جاءوا (لتحرير الكويت) وهذه الكويت تحررت كما يقولون.. وخرج الجيش العراقي منها منذ أكثر من عشر سنوات وحل مكانه جيوش أمريكية وبريطانية وأسترالية وأخيرا ألمانية!! وعلى الرغم تواجد هذه الجيوش الجرارة على ارض الكويت نجد أن مشتريات الأسلحة والعتاد العسكري من قبل أمراء الكويت وبكميات كبيرة بما يكفي على ما اعتقد إلى جيوش دولة كبرى، وبالرغم من ذلك نجد أمراء تلك الإمارة يصرخون أن العراق يهدد أمنهم وسلامتهم واستقرارهم أليس ذلك مفارقة غريبة وعجيبة؟!! على الرغم من محاصرة العراق وتجويع شعبه على مدى أكثر من أحد عشرة عاما وانشغاله بتضميد جراحه وقوت يومه ومقاومته اليومية باحتلاله وتدمير منجزاته!!..
هنا تدخلت طالبا منه أن يسمح لي بالكلام ولو للحظة فأجابني ألم يعجبك كلامي فقلت له مطمأنا بأنه على حق في كل ما قاله ولكن للسياسة مداخل ومخارج مثيرة وكثيرة وأن الإجابة على كل ما يدور في خاطره يمكن تلخيصه في جملة واحدة وهي أن هدف أعداء الإنسانية هو إرغام هذه الأمة على الاستسلام بمهانة للهيمنة الأمريكية الصهيونية، وأن إرسال 200 ألف جندي أمريكي إلى الكويت كما ذكرت جريدة "الغارديان" في عددها الذي صدر في 14/2/2002 الماضي للاشتراك في حرب ضد العراق لإسقاط النظام السياسي فيه، وما يحدث في فلسطين المحتلة يستدعي الشرفاء والأحرار في البلاد العربية وفي العالم الاستعداد للمرحلة القادمة التي ستكون هامة جدا ومنعطف طرق خطير خاصة بعد مؤتمر قمة الاستسلام التي ستعقد في بيروت حيث سيتم منح صك البراءة للصهاينة رسميا عما ارتكبوه في فلسطين وما زالوا كل يوم يحتلون ويقتلون ويذبحون الفلسطينيين، وما سيصدر عن قمة بيروت حول العراق سيكون إشارة للبدء في ضربه حيث سيصدر البيان الختامي وفيه جملة تقول ما يلي: ان مؤتمر القمة العربية المنعقد في بيروت يدعو إلى رفع الحصار عن العراق وأنه لا يقبل بضرب العراق بحجة مساندة الإرهاب، وعلى العراق التعاون مع مجلس الأمن وقبول عودة مفتشي الأمم المتحدة والانصياع الكامل لمقررات مجلس الأمن الدولي.. هذا ما سيصدر عن قمة بيروت، وهذا البيان الختامي كما هو معروف أعد سلفا وقد ترجم إلى الإنكليزية ووافقت عليه إدارة بوش، كما باقي مؤتمرات القمة التي لم تفعل شيئا لفلسطين منذ عام 1964 وأضاعتها كاملة كما أضاعت الجولان ومياه نهر الأردن، وكما أضاع العربان لواء اسكندرون وسبتة ومليلة وعربستان وموريتانيا والصومال وجيبوتي سيضيعون أيضا السودان وغيرها من البلاد العربية.. وباختصار أن أمريكا في كافة تحركاتها تريد فقط السيطرة على احتياطي النفط العراقي وثرواته الطبيعية إضافة إلى السيطرة الكاملة على العراق سياسيا بسبب موقعه الجغرافي الهام. فهل سيبقى العرب هكذا تحت مطرقة أنظمة الذل وسندان النظام الصهيوني العالمي؟
لم يدعني محدثي أتابع فقال معتذراً سنلتقي مرة أخرى ولكن أرجوك أن تكتب ما ذكرته لك لربما يعي أحدهم هذا الكلام فيهب الجميع للدفاع عن الكرامة وعن الأرض والعرض بعد أن استباح الصهاينة الغزاة أقدس المقدسات بدعم أمريكي علني وواضح لا لبس فيه ولا اشتباه..
فؤاد الحاج
التسميات
عرب