الإسلاميون المغاربة.. اختلاف المرجعيات بين المكونات الاسلامية والاشتغال فكريا في مجال إعادة الإنتاج

بعد 16 ماي تصاعدت وتيرة الأسئلة عن الإسلاميين المغاربة: ماهيتهم، وأهدافهم، ووسائل اشتغالهم، وطرق تنظيمهم، وأساليب استقطابهم، وشبكة علاقاتهم، وبرامجهم، ومواقفهم؛ بل أصبح الموضوع مادة دسمة للإعلام ومراكز البحث والدراسات، والأكيد أن هذه الأسئلة ستتكرر وتتوالد أكثر كلما جد جديد مماثل، لا قدر الله، أو سطع نجم حركة إسلامية.

لقد قيل في الإجابة عن هذه الأسئلة الكثير، وليس هدفنا إعادة ما قيل أو تكرار ما كتب أو استنساخ ما نشر، ولكن الملاحظ على الكثير مما سبق أن هناك من وضع الإسلاميين جميعا في سلة واحدة وصنفهم في خانة وحيدة ورتب على ذلك حكما وأسلوب عمل وتعامل.
في هذا التحقيق نسلط الضوء على زاوية لم تحظ بالاهتمام بعد، ولا يهم بقصد أو بغير قصد، ويتعلق الأمر هنا بجوانب الاختلاف بين مكونات التيار الإسلامي، ولذلك يلزم أن نحقق في جوانب الاتفاق والاختلاف بين هؤلاء للإجابة عن سؤال: ماذا يفرق الإسلاميين المغاربة؟ أو بشكل أدق: حول ماذا يختلفون؟

يكتشف القارئ بعد هذا التحقيق أن جوانب الاختلاف كثيرة تجعل المتعاطي مع الملف الإسلامي ينزلق كلما سلك مسلك التعميم الذي لن يقوده إلا إلى التسطيح، والعكس صحيح.

للوهلة الأولى يتبادر إلى الذهن أن المرجعية لا يمكن أن تكون مثار خلاف بين الإسلاميين، وهذا صحيح، لكن إن أمعنا النظر وطرحنا السؤال على كل مكون من مكونات التيار الإسلامي: أي إسلام تعني؟ سيتضح الفرق والاختلاف من خلال الجواب.

هناك السلفيون الذين يجمدون على النص الديني وعلى تجربة زمنية يصفونها بالذهبية ومطمحهم نسخها شكلا ومضمونا. ويرفضون عصرنتها أو إخضاعها لمنطق التطور. وهناك دعاة الاجتهاد والتجديد بتفاوت، وفي هذا السياق يظهر رأي آخر وسط الحركات الإسلامية. إنه «البديل الحضاري» الذي يتحدث ناطقه الرسمي معرفا المرجعية الإسلامية «بالنسبة لنا في حزب البديل الحضاري فإننا نقدر أنه ليس ثمة فصل بين شؤون الدين وشؤون الدنيا، لأننا نعتقد أن الإسلام هو المرجعية والإطار الضابط للتصورات والسلوك في كل مناحي الحياة على المستوى الفردي والجماعي، لأن سلوك المسلم، الفردي والجماعي، وفي كل المجالات.

اختلاف المرجعيات بين المكونات الاسلامية:

هو تدين بالأساس.. أقول تدينا وليس دينا لأنه يعبر عن فهم وممارسة للدين وليس الدين نفسه مما ينفي عن هذا الوعي وهذه الممارسة أية قدسية» ولا يفتأ الأمين الركالة يؤكد أن هذا الفهم يميز حزبه عن باقي التنظيمات الإسلامية المغربية التي «لا زالت تشتغل فكريا في مجال إعادة الإنتاج وأنا في هذه الحالة لا أستثني أي تنظيم.

أما إذا كان الأمر يتعلق بمقارباتها ومعالجاتها للشأن اليومي فحقا هناك اختلاف كبير إن على مستوى التحليل أو مستوى المقاربة». يضيف الركالة أن إشكالية الحركات الإسلامية تكمن في أنها «حركات تقليدية، ولم تستطع أن تصبح حركات تجديدية» وسبب ذلك، حسبه دائما، راجع إلى مجموعة من الأسباب هي «أن بداياتها ارتبطت بإشكالات فقهية أو تنظيمية ولم ترتبط بإشكالات فلسفية وتصورية، وأنها بقيت رهينة السؤال التأسيسي لمدرسة الإخوان المسلمين المرتبط بالخلافة والحكم، وأنها بقيت رهينة الإشكالات التي طرحتها الأحزاب السياسية غداة الاستقلال ولم تستطع إحداث القطيعة معها».

وعن الاختلاف بينهم وبين العدالة والتنمية يقول «ننطلق من أرضية فلسفية لمقاربة إشكالات بلدنا وشعبنا بينما ينطلق حزب العدالة والتنمية من أرضية فقهية».

«التوحيد والإصلاح» من جهتها تدعو إلى جعل الشريعة المصدر الأول والأسمى للتشريع بالمغرب وهي في هذا لا تختلف عن غيرها من التنظيمات الإسلامية ولكنها تتوسع في مفهوم الشريعة ليشمل «إصلاح العقيدة وإقامة العدل والتوزيع العادل للثروة وإشاعة الاستقامة وإشاعة الأمن والإحسان للمخالفين من أهل الكتاب.. وكل ما استقر من معروف وخير عند عقلاء النوع البشري هو مما تأمر الشريعة بالأخذ به والعمل به» وحتى الاقتداء بالسلف الذي تهدف الحركة إلى تحقيقه تدقق بأنه يختلف عن المنظور السلفي حيث تؤكد أنه «دعوة إلى إعمال منهجهم لا إلى استنساخ تجربتهم».

«العدل والإحسان» تجعل من مفهوم التجديد منطلق تفكيرها وتعني به «اجتهاد لجمع شتات العلم والعمل في بناء نسقي يقودنا إلى وحدة جهاد، ووحدة سلوك، ووحدة تصور، ووحدة إرادة. لا بد من منهاج علم وعمل، يجمع الشتات ويوحد الجهود ويؤسس لرؤية مستقبلية» ولذلك وضعت منهاجا نصت أنه «آلة العلم ومرشد العمل، وهو الجسر بين الحق في كتاب الله وبين حياة المسلمين، وهو اكتشاف جديد للمحجة البيضاء التي تركنا عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم. هو إذن فهم وعلم وعمل وطريق.

أما حزب الأمة، وهو التجسيد السياسي للحركة من أجل الأمة التي تأسست في أكتوبر 1998ت بعد انشقاق عن البديل الحضاري، فيعتز باعتماده المرجعية الإسلامية، ولكنه اعتزاز يستند إلى «فهم وسطي ويعتمد قراءة مقاصدية وتجديدية للإسلام والتراث وما يقتضيه ذلك من إعادة الاعتبار للعقل».

 عمرأحرشان

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال