التدريس بالأهداف التربوية عند رالف تيلر.. التربية بالأهداف تتأسس كنموذج علمي لمعرفة التعليم وتخطيط مناهجه على أن يتم كل ذلك انطلاقا من النظرة السلوكية في التعليم

بشهادة جميع المختصين في علم التدريس (الديداكتيك) فإن بداية نموذج التدريس بالأهداف التربوية كانت وبدون منازع، على يد الأمريكي رالف تيلرR.Tyler  خاصة في كتابه:Basic Principles of Curriculum and Instruction والذي نشره سنة 1949.

إن خطاطة تيلر حول "نظرية المنهاج" أصبحت مرجعا أساسيا في بلورة هذه النظرية كمجال للدراسي والبحث. إن الأهداف تعتبر ضمن نظريته "المنهاجية" نقطة الانطلاق.

ثم إن المنهاج Curriculum باعتباره نموذجا للتفكير في التعليم وفهم كياناته، لابد أن يرتكز على تحديد المرامي والتي ينبغي تحقيقها بشكل دقيق.

إن نموذج تيلر له أهمية خاصة، ليس لأنه أول نموذج متكامل يدمج بوضوح مكون الأهداف التربوية ولكن لأنه يتبنى فضلا عن ذلك، وجهة نظر سلوكية حول التعليم والتي تفسر كيف تتحقق الأهداف وتتشخص في سلوك التلاميذ.

وهكذا فإذا كان موضوع الأهداف قد ارتبط سواء مع بوبيت أو تيلر، مباشرة بعد بميلاد نظرية المناهج وتطورها، فإن الأساس السيكولوجي للتدريس بالأهداف في بداياته الأولى يبقى بدون منازع هو النظرية السلوكية.

إن التربية بالأهداف تتأسس كنموذج علمي لمعرفة التعليم وتخطيط مناهجه، على أن يتم كل ذلك انطلاقا من النظرة السلوكية في التعليم.

ينطلق تيلر في نظريته حول المنهاج الدراسي والتي يمكن تعميمها  مبدئيا على جميع مكونات العملية التعليمية، من التساؤلات التالية:
1- ما هي الغايات التي تهدف المدرسة إلى بلوغها؟
2- وما هي الأنشطة و الخبرات التربوية التي تيسر بلوغ تلك الغايات على الوجه المطلوب؟
3- كيف يجب تنظيم، وبأكبر فعالية ممكنة، تلك الأنشطة و الخبرات؟
4- كيف يمكن التأكد من أن الغايات قد تحققت بالفعل؟

على أنه، وبالنسبة لرالف تيلر، فإن المسألة لا تكمن في مجرد تقديم إجابات عن هذه التساؤلات أو اقتراح نموذج منهجية لدراسة هذه القضايا، بل يتعلق الأمر باقتراح نموذج متكامل يفيد في البحث عن الحلول وفي توجيه العمل التربوي.

كما يعتقد تيلر أن الأهداف التربوية يمكن التعبير عنها بأكثر من طريقة، فهناك الصياغات العامة والفضفاضة للأهداف على شكل عناوين الدروس أو مواضيع المقررات.

على أن أفضل صياغة للأهداف في نظره هي الصياغة السلوكية، أي التعبير عما نرجو تحقيقه بعبارات سلوكية واضحة تصف السلوك النهائي الذي سكتسبه التلميذ.
كما أن تيلر حاول تقديم مقترح منسجم ومتوازن بخصوص مصادر الأهداف التعليمية.

اقتراح يعنى بخصوصيات البيئة الاجتماعية والمحيط الذي توجد فيه المدرسة كما يعنى بما تقدمه المحتويات الدراسية من تنوع وخصوبة، دون إهمال بطبيعة الحال للفرد المتعلم وحاجياته.

إن للتلميذ إمكانيات وحاجيات لا بد وأن تعمل المدرسة على تنميتها وإشباعها في انسجام بطبيعة الحال، مع معايير السلوك الفردي والجماعي، ويشكل هذا المصدر الأول من مصادر اختيار الأهداف وتحديد غايات المنهاج الدراسي.

أما المجتمع والبيئة المحلية فيعتبر المصدر الثاني، إن على المدرسة أن تستجيب لحاجيات المجتمع وتطلعاته، ولا يمكن إغفال دور البيئة ومدى ما ستجنيه الجماعة من فوائد من النظام التعليمي.

وأخيرا فإن دراسة ظروف التعلم ووضعيته في إطار مختلف العلوم والمواد الدراسية (المصدر الثالث) وما تتصف به من خصوصيات، يعتبر منبعا متدفقا لتوليد الأهداف وإخصابها وتحديدها.

وبطبيعة الحال فإن الأهداف التي يمكن أن تستخلص من هذه المصادر الثلاث كثيرة ومتنوعة، إلى الحد الذي يصعب وربما يستحيل على المدرسة إرضاءها وتحقيقها جملة وتفصيلا.

فلا بد لها إذن من الاختيار والغربلة وذلك باستلهام أداتين: الأداة الأولى هي الفلسفة السائدة في  المجتمع والتي تعكس رؤيته للعالم وللإنسان وثقافته وقيمه.

أما الأداة الثانية فتكمن في علم النفس وخاصة "علم نفس التعلم" وما يقدمه من نظريات تمكن مبدئيا من اختيار المناسب من الأهداف وتطويعها لتنسجم مع وضعيات التعلم.

فلا بد للمدرس وللمخطط بشكل عام، من اختيار نظرية للتعلم والتي ستفيده فيما بعد في اختيار أسلوب التقويم، أي تقويم مدى تحقق الأهداف بل مدى صلاحيتها، وهكذا تبدو أهمية السيكولوجيا بفضل نظريات التعلم، في المساعدة على اختيار الأهداف والعمل على تحقيقها وتقويم نتائجها.

من هنا خصوصية نموذج تيلر والذي سيكون له بالغ لأثر في التربية بالأهداف.
إن الهدف بالنسبة إليه، إذ يعبر عن نمط السلوك المأمول، فإنه يعبر في الوقت ذاته، عن المحتوى الاجتماعي الذي سيعمل فيه التلميذ لاحقا ويطبق ذلك السلوك المكتسب.

وهكذا تحدد الصياغة الملائمة للأهداف (الصياغة، الموفقة في نظر تيلر) الجوانب السلوكية (السيكلوجية) للمتعلم وكذا محتويات التدريس في انسجام تام مع حاجات المجتمع ومتطلباته باعتباره المجال الطبيعي الذي سينشط فيه ذلك السلوك وسيتبلور.

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال