ماذا يعد أهل السنة للعلويين في سوريا.. التغيير الجذري من الداخل لن يكون إلا بمساعدة العلويين أنفسهم أو بقيام انتفاضة جماهيرية كاسحة

عنوان مقال نشر باللغة الانجليزية على موقع سيريا كومنت في 30 آب 2006، طرح حزمة من الأفكار والتساؤلات تستحق التوقف عندها ومناقشتها . لم يشأ كاتب المقال أن يفصح عن اسمه الحقيقي، مفضلاً أن يرمز له بأي اسم يحمله احد أبناء الطائفة !! سنناقش في هذا المقام الأفكار الواردة في المقال، ونجيب على التساؤلات المطروحة إيمانا منا بأهمية وجدية ما طرح ، و صدقية هذه الأفكار في التعبير عن حالة يعيشها فريق من أبناء مجتمعنا ، بغض النظر عن شخص الكاتب وحقيقة ودوافعه.
سنضطر ابتداءً إلى تقديم  تلخيص وافٍ للمقال لنعين القارئ على متابعة  الحوار.
 نستطيع أن نركز المقال في النقاط التالية :
- حديث عن طبيعة النظام القائم واستناده على أفراد أكثر من استناده على طائفة , في محاولة لنفي الصبغة الطائفية عن النظام ، بمعنى أن الطائفة ليست مستفيدة جميعا من هذا النظام.
- دور تعاقب الأجيال في صياغة الموقف الطائفي , يبدو أن الكاتب ينتمي إلى الجيل الثاني من حكم العلويين, فهو كما يريد أن يخبرنا  من الجيل الذي لم يعاصر (مرحلة الاضطهاد السني !!) قضية لا نريد أن نتوقف عند مناقشتها في هذا السياق.
- الطائفة العلوية لا تزال تتحكم بالمواقع المهمة في الجيش و الأجهزة الأمنية .إقرار مفيد في سياق الحوار.
- يرى الكاتب أن الاتجاه الذي تسير إليه سورية لا يبشر بخير ..ثمة تخوف من كارثة يقاد إليها البلد. يحمّل الكاتب مسؤوليتها مجموعة مؤلفة من طوائف كثيرة ، ولكنها في النهاية ستحمل للعلويين وحدهم (يحاول الكاتب أن يشير إلى اشتراك جميع الطوائف في حكم البلد أو في صنع الكارثة)
- ثم يتساءل الكاتب :لماذا لا يفعل العلويون شيئاً لتفادي الكارثة ؟ لماذا نصمت عنها ؟ ولماذا لا يقوم جنرال علوي بانقلاب عسكري؟
- للإجابة على هذه التساؤلات يتحدث الكاتب عن نوعين من الأسباب ، عام يتعلق بالسوريين جميعاً وخاص يتعلق بالعلويين ..
في السياق العام يذكر ستة أسباب نكاد نوافقه على معظمها ؛ فثقافة الخوف التي انتشرت بين الناس ، وقيام الشك والريبة في نفوس المواطنين، وثالثاً الصراع الخارجي الذي تفرضه الإدارة الأمريكية ، وعاطفة الشارع السوري ضد هذه الإدارة ، وتحكم الرئيس الراحل بالجيش وإحكام القبضة عليه ، مما يصعب أي عملية تحرك أو يجعلها مستحيلة ؛ كل هذه العوامل متضافرة تجعل التغيير في سورية مستحيلا أو بعيد المنال كما يرى كاتب المقال ، ما لم يشارك فيه العلويون ، وهؤلاء العلويون لن يشاركوا في التغيير ما لم يروا بديلاً واضحاً . ومن هنا يطالب الكاتب المعارضة (أن تقدم رؤية واضحة عن المستقبل تطمئن الشعب السوري بحيث يقتنع بالمخاطرة بالميزات القليلة التي يتمتع بها .وعلى رأسها الأمن . يؤكد الكاتب أنه لا تزال عبارات الوعود العامة والغامضة عن الديمقراطية والحياة الأفضل تصبغ خطاب مؤيدي تغيير النظام!!
في النقلة إلى الأسباب الخاصة بالعلويين . يركز الكاتب على أن السبب الرئيس الذي يحول دون فاعلية العلويين في دعم عملية التغيير هو (الخوف من الآخر ) وهذا الآخر في رأيه يتمظهر في فريقين من الناس:
الأول زعماء المعارضة الدينية السنية و الأكراد الذين يتناولون بفظاظة ووضوح (نريد إنهاء الحكم العلوي).
والفريق الثاني هم كل من يقول على استحياء أو بإيجاز إنه يجب إنهاء احتكار المناصب العليا في الجيش و الأمن .
يزعم الكاتب أن أحدا من السياسيين أو المثقفين لم يجب على السؤال : ما هي خططكم بالضبط تجاه العلويين بعد أن نتخلى عن السلطة ؟! ثم يسرد العديد من الأسئلة عن مستقبل مجموعات من المواطنين العلويين على النحو التالي :
- ما هي خططكم تجاه عشرات الألوف من العلويين العاملين في الجيش وأجهزة الأمن؟
- ما هي خططكم تجاه الحرس الجمهوري والقوات الخاصة؟ ...هل ستدفعون لهم معاشات تقاعدية إذا قررتم حل قواتهم أم أنهم سيطردون ويرمون في الشوارع –على الطريقة الأمريكية ؟! هل تقدرون مخاطر مثل هذا التسريح على الأمن ؟!
- وما هي خططكم تجاه عشرات الألوف من العلويين الذين يعملون كموظفين في كثير من المؤسسات غير الفاعلة -يقصد الوهمية – هل ستغلقون هذه المؤسسات؟ .
- هل ستوقفون المشاريع الإصلاحية في المنطقة الساحلية؟
- هل ستعكسون قانون مصادرة الأراضي وإعادتها إلى ملاكها؟
- هل ستطالبون بمحاكمة المسؤولين الأمنيين على أعمالهم خلال 35 سنة الماضية؟ وما هي الرتب التي ستعتبرونها مسؤولة ؟
-هل ستحاكمون النخبة السنية أيضا بنفس المعيار؟!
يؤكد الكاتب إن الإجابة على هذه الأسئلة مطلوب وأن تحييد القضية المذهبية والسكوت عنها لا يخدم القضية الوطنية .. وأنه إذا كان (السنة ) يريدون تغيير النظام فعليهم معالجة المسألة العلوية أولاً ..وبغير ذلك لن يتم التغيير إلا بطوفان شعبي داهم وهو ما يراه العلويون حتى الآن الخطر البعيد  ..
*** ***** ***
اضطررنا إلى تلخيص المقال لأهميته ، ولضرورة تفهم أبعاد الحوار وافاقه في إطار من الصدق والصراحة الوطنيين ، حيث لا تنفع الشطارة والمراوغة ، كما يقول الكاتب . نؤيد ابتداء رأي الكاتب أن مشاركة المواطنين العلويين في عملية التغيير ستجعلها أكثر سهولة وأكثر سلاسة وأكثر أمناً للجميع ؛ ولكننا نؤكد في الوقت نفسه أن التغيير قادم بإذن الله لأنه سنة التاريخ وسنة الحياة ..
وملحوظتنا الابتدائية أن الكاتب وضع أهل السنة وحدهم (عربا وأكرادا) في مواجهة العلويين!! متناسياً أن الفئة الحاكمة وضعت العلويين في مواجهة جميع مكونات المجتمع السوري . فالكاتب لا يستطيع أن ينكر حالة الاستياء التي تسود أبناء المذاهب والطوائف جميعا ، كما تسود رجال الفكر والسياسة الذين يصعب حسبانهم مباشرة على تيار مذهبي أو طائفي ..
ثم إن التقويم العام للنظام القائم في سورية على أنه حكم أقلية علوية لا يعتمد على مقياس من هو المستفيد من النظام!! فنحن نعلم أن الأقلية المستفيدة من النظام تتوزع على جميع الطوائف وإن بنسب متفاوتة ..الصبغة العلوية تستند على حقيقة من هم القائمون على النظام؟ فنظرية ابن خلدون عن (العصبية) التي تحمي السلطان تتجلى في أوضح صورها في نظام الأقلية العلوي ، الذي يقوم على دعم نخبة مغلقة من رجال الجيش والأمن. وهو ما لا ينازع فيه كاتب المقال. مرتكزات الحكم علوية محضة . دون أن يعني ذلك أن جميع أبناء الطائفة مستفيدون ، وان أحداً من غير أبناء الطائفة لا يستفيد. من الضروي جداً أن نميز في توصيف النظام بين المستفيدين منه والقائمين عليه . ونظن أن قول الكاتب في إحدى عباراته (نتخلى عن الحكم ) غنية عن أي تعليق .
الذي يثير الاهتمام بالمقال أيضا اعترافه الصريح أن التغيير الجذري من الداخل لن يكون إلا بمساعدة العلويين أنفسهم، أو بقيام انتفاضة جماهيرية كاسحة.
وهاتان الحقيقتان المتعانقتان بحاجة إلى الكثير من التأمل. حقيقتان تمثلان رؤية صائبة عمليا ، وتلقيان على عاتق العلويين مزيدا من المسؤولية الذاتية و الوطنية. إن لم تكن الأولى فستكون الثانية, وماذا بعد الثانية؟!
هل تكون هذه حيلة للتضحية بقلة وإنقاذ للكثرة ؟ أو هي حقيقة يجب إدراكها بحجمها فمن أساء يعاقب بعدل مهما كان ؟ أم الضرورة فعلاً تقتضي التغاضي عن بعض الحقوق ؟ قضايا لا تحل إلا بدراسة ومشورة بين أهل العلم وأهل الحكمة والخبرة ، ولا ينفرد به طرف.

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال